للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأنا غافلة، حتى أتاه فوجدته مُجْلِسَه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتحسبين أني أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، فقالت: واللَّه ما رأيت أسيراً خيراً من خبيب، واللَّه لقد وجدته يوماً يأكل قِطْفاً (١) من عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من تمرة، وكانت تقول: إنه لرزق رزقه اللَّه خبيباً، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحِلّ، قال لهم خبيب: دعوني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: واللَّه لولا أن تحسبوا أن ما بي جَزعٌ من الموت لزدت، اللَّهمّ أحصهم عدداً، واقتلهم بددا (٢)، ولا تبق منهم أحداً:

فلستُ أبَالي حين أقتل مُسلِماً … على أيّ جنب كان في اللَّه مَصْرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ … يبارك على أوصال شِلْو ممزع (٣)

ثم قام إليه أبو سِرْوَعَةَ عقبةُ بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سَنٌ لكل مسلم قُتِل صَبْراً الصلاة، واستجاب اللَّه لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر رسول اللَّه أصحابه حين أصيبوا خَبَرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حُدَثوا أنه قُتِلَ ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قتل رجلاً عظيماً منهم يوم بدر، فبعث اللَّه إلى عاصم مِثْلَ الظُّلَّة من الدَّبْر (٤) فحمته من رُسُلهم، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئاً.

كذا في هذه الرواية أن بين الحارث بن عامر ابتاعوا خبيباً، وقال ابن إسحاق: وابتاع خبيباً حُجَير بن أبي إهاب التميمي، حليف لهم، وكان حجير (٥) أخا الحارث بن عامر لأمه، فابتاعه لعقبة بن الحارث ليقتله بأبيه.

وقيل: اشترك في ابتاعه أبو إهاب بن عزيز، وعكرمة بنُ أبي جهل، والأخنس بن شريق، وعبيدة ابن حكيم بن الأوقص، وأمية بن أبي عتبة، وبنو الحضرمي، وصَفْوان بن أمية، وهم أبناء من قتل من المشركين يوم بدر، ودفعوه إلى عقبة بن الحارث، فسجنه في داره، فلما أرادوا قتله خرجوا به إلى التَّنْعيم (٦) فصل ركعتين، وقال:

لقد جَمَّع الأحزابُ حوْلِي وألَّبُوا (٧) … قبائلهم واستَجْمَعُوا كُلَّ مَجْمَع

وقد قَرَّبوا أبناءهم ونساءهم … وقُرِّبتُ من جذع طويل مُمَنَّع

وكُلُّهُمُ يبدي العداوة جاهداً … عَلَيَّ، لأني في وَثاقٍ بمضيع


(١) القطف: العنقود.
(٢) يروى بكسر الباء، جمع بده، وهي الحصة والنصيب، أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته ونصيبه، ويروى بالفتح أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد.
(٣) الشلو: البقية، والممزع: المقطع.
(٤) الدبر: النحل والزنابير.
(٥) في سيرة ابن هشام ٢ - ١٧١: «وكان أبو إهاب أخا الحارث … »
(٦) موضع على ثلاثة أميال من مكة خارج الحرم على طريق المدينة.
(٧) كذا رويت الأبيات في الاستيعاب: ٤٤١، وهي في السيرة: ٢ - ١٧٦ مع خلاف وتقديم وتأخير.

<<  <  ج: ص:  >  >>