للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة … فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل (١)

تذكّرنيه الشمس عند طلوعها … وتعرض ذكراه إذا قارب الطّفل (٢)

وإن هبّت الأرواح هيّجن ذكره … فيا طول ما حزني عليه ويا وجل (٣)

سأعمل نصّ العيس (٤) في الأرض جاهدا … ولا أسأم التّطواف أو تسأم الإبل

حياتي أو تأتى عليّ منيّتى … وكل امرئ فان وإن غرّه الامل

سأوصى به قيسا وعمرا كليهما … وأوصى يزيدا ثم من بعده بل

يعنى جبلة بن حارثة، أخا زيد، وكان أكبر من زيد، ويعنى بقوله: يزيد: أخا زيد لأمه، وهو يزيد بن كعب بن شراحيل، ثم إن ناسا من كلب حجّوا فرأوا زيدا، فعرفهم وعرفوه، فقال لهم:

أبلغوا عنى أهلي هذه الأبيات، فإنّي أعلم أنهم جزعوا عليّ، فقال:

أحسن إلى قومي وإن كنت نائيا … فإنّي قعيد البيت عند المشاعر

فكفّوا من الوجد الّذي قد شجاكم … ولا تعملوا في الأرض نصّ الأباعر

فإنّي بحمد اللَّه في خير أسرة … كرام معدّ كابرا بعد كابر

فانطلق الكلبيون، فأعلموا أباه ووصفوا له موضعه، وعند من هو، فخرج حارثة وأخوه كعب ابنا شراحيل لفدائه، فقدما مكة،

فدخلا على النبي ، فقالا: يا ابن عبد المطلب، يا ابن هاشم، يا ابن سيّد قومه، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا، وأحسن إلينا في فدائه: فقال: من هو؟ قالوا:

زيد بن حارثة. فقال رسول اللَّه فهلا غير ذلك. قالوا: ما هو؟ قال: ادعوه وخيّروه، فان اختاركم فهو لكم، وإن اختارني فو اللَّه ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا. قالا: قد زدتنا على النّصف وأحسنت. فدعاه رسول اللَّه فقال: هل تعرف هؤلاء؟ قال: نعم، هذا أبى وهذا عمى، قال: فأنا من قد عرفت ورأيت صحبتي لك، فاخترنى أو اخترهما. قال: ما أريدهما، وما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت منى مكان الأب والعم. فقالا: ويحك يا زيد، أتختار العبوديّة على الحرية وعلى أبيك وأهل بيتك؟! قال: نعم، قد رأيت (٥) من هذا الرجل شيئا، ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا، فلما رأى رسول اللَّه ذلك أخرجه إلى الحجر، فقال: يا من حضر، اشهدوا أن زيدا ابني، يرثني وأرثه، فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت نفوسهما وانصرفا.

وروى معمر، عن الزهري قال: ما علمنا أحدا أسلم قبل زيد بن حارثة، قال عبد الرزاق: لم يذكره غير الزهري.

قال أبو عمر: وقد روى عن الزهري من وجوه أن أوّل من أسلم خديجة.


(١) في المطبوعة: علل، وبجل بمعنى، حسب.
(٢) طفلت الشمس للغروب: دنت منه، واسم تلك الساعة: الطفل.
(٣) الأرواح: جمع ريح، على غير الأصل، وفي سيرة ابن هشام: وما وجل، والوجل: الخوف.
(٤) في الأصل والمطبوعة: العيش، والعيس: الإبل، وأعمل ناقته: ساقها، والنص: استخراج أقصى ما ليسها من السير.
(٥) في الأصل والمطبوعة، ورأيت، والمثبت عن الاستيعاب: ٥٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>