للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فإن يسلم السعدان يصبح محمد … بمكة لا بخشي خلاف مخالف

قال: فظنّت قريش أنه يعنى سعد بن زيد مناة بن نميم، وسعد هذيم، من قضاعة، فسمعوا الليلة الثانية قائلا:

أيا سعد سعد الأوس كن أنت ناصرا … ويا سعد سعد الخزرجين الغطارف

أجيبا إلى داعي الهدى وتمنّيا … على اللَّه في الفردوس منية عارف

وإن ثواب اللَّه للطالب الهدى … جنان من الفردوس ذات زخارف

فقالوا: هذا سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة.

ولما كان غزوة الخندق بذل رسول اللَّه لعيينة بن حصن ثلث ثمار المدينة، لينصرف ممن معه من غطفان، واستشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دون سائر الناس، فقالا: يا رسول اللَّه، إن كنت أمرت بشيء فافعله، وان كان غير ذلك فو اللَّه ما نعطيهم إلا السيف، فقال رسول اللَّه لم أومر بشيء، وإنما هو رأى أعرضه عليكما، فقالا: يا رسول اللَّه، ما طمعوا بذلك منا قطع في الجاهلية، فكيف اليوم، وقد هدانا اللَّه بك! فسر النبي بقولهما.

وكانت راية رسول اللَّه بيد سعد بن عبادة يوم الفتح، فمرّ بها على أبي سفيان، وكان أبو سفيان قد أسلم، فقال له سعد: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحلّ الحرمة، اليوم أذلّ اللَّه قريشا، فلما مر رسول اللَّه في كتيبة، من الأنصار، ناداه أبو سفيان: يا رسول اللَّه، أمرت بقتل قومك، زعم سعد أنه قاتلنا، وقال عثمان، وعبد الرحمن بن عوف: يا رسول اللَّه، ما نأمن سعدا أن تكون منه صولة في قريش،

فقال رسول اللَّه: يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز اللَّه قريشا، فأخذ رسول اللَّه اللواء من سعد، وأعطاه ابنه قيسا، وقيل: أعطى اللواء الزبير بن العوام، وقيل: أمر عليا فأخذ اللواء، ودخل به مكة.

وكان غيورا شديد الغيرة، وإياه أراد رسول اللَّه بقوله: إن سعدا لغيور، وإني لأغير من سعد، واللَّه أغير منا، وغيرة اللَّه أن تؤنى محارمه. وفي هذا الحديث قصة.

ولما توفى النبي طمع في الخلافة، وجلس في سقيفة بنى ساعدة ليبايع لنفسه، فجاء إليه أبو بكر، وعمر، فبايع الناس أبا بكر، وعدلوا عن سعد، فلم يبايع سعد أبا بكر ولا عمر، وسار إلى الشام، فأقام به بحوران (١) إلى أن مات سنة خمس عشرة، وقيل: سنة أربع عشرة


(١) حوران: كورة واسعة من أعمال دمشق، ذات قرى كثيرة ومزارع.

<<  <  ج: ص:  >  >>