للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولما قتل عثمان اعتزل الفتنة، ولم يكن مع أحد من الطوائف المتحاربة، بل لزم بيته، وأراده (١) ابنه عمر وابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص أن يدعو إلى نفسه، بعد قتل عثمان، فلم يفعل، وطلب السلامة، فلما اعتزل طمع فيه معاوية، وفي عبد اللَّه بن عمر، وفي محمد بن مسلمة، فكتب إليهم يدعوهم إلى أن يعينوه على الطلب بدم عثمان، ويقول: إنكم لا تكفرون ما ما أتيتموه من خذلانه إلا بذلك، فأجابه كل واحد منهم يرد عليه ما جاء به، وكتب إليه سعد أبيات شعر:

معاوي داؤك الداء العياء … وليس لما تجيء به دواء

أيدعوني أبو حسن عليّ … فلم أردد عليه ما يشاء

وقلت له:

أعطني سيفا بصيرا (٢) … تميز به العداوة والولاء

أتطمع في الّذي أعيا عليّا … على ما قد طمعت به العفاء

ليوم منه خير منك حيّا … وميتا أنت للمرء الفداء

وروت عنه ابنته عائشة أنه قال: رأيت في المنام، قبل أن أسلم، كأني في ظلمة لا أبصر شيئا إذ أضاء لي قمر، فاتّبعته، فكأني انظر إلى من سبقني إلى ذلك القمر، فأنظر إلى زيد بن حارثة، وإلى علي بن أبي طالب، وإلى أبى بكر، وكأني أسألهم: متى انتهيتم إلى ها هنا؟ قالوا:

الساعة، وبلغني أن رسول اللَّه يدعو إلى الإسلام مستخفيا، فلقيته في شعب أجياد (٣)، وقد صلى العصر، فأسلمت، فما تقدّمنى أحد إلا هم.

وروى داود ابن أبي هند، عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال: نزلت هذه الآية فىّ ﴿وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً (٤)﴾ قال: كنت رجلا برّا بأمي، فلما أسلمت قالت: يا سعد، ما هذا الدين الّذي أحدثت؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي. فقال: لا تفعلي يا أمّه، فإنّي لا أدع ديني، قال: فمكثت يوما وليلة لا تأكل، فأصبحت وقد جهدت، فقلت: واللَّه لو كانت لك ألف نفس، فخرجت نفسا نفسا، ما تركت ديني هذا لشيء. فلما رأت ذلك أكلت وشربت، فأنزل اللَّه هذه الآية.

قال أبو المنهال: سأل عمر بن الخطاب عمرو بن معديكرب عن خبر سعد بن أبي وقاص


(١) في المطبوعة: وأراد.
(٢) في الأصل والمطبوعة: قصيرا، والمثبت عن الاستيعاب: ٦٠٩.
(٣) أجياد: جبل بمكة.
(٤) لقمان: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>