للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبعث إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشام، ففعلوا. فألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأُسْقُفُّ، فأتيته، فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأُصلي معك؟ قال: أقم.

فمكثت مع رجل سَوْء في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئاً أمسكه لنفسه، حتى جمع سَبْع قلال مملوءة ذهباً ووَرِقاً، فتوفي، فأخبرتهم بخبره، فزبَرُوني (١)، فدللتهم على ماله فصلبوه، ولم يُغَيِّبُوه ورجموه، وأحَلُّوا مكانه رجلاً فاضلاً في دينه زُهْداً ورغبة في الآخرة وصلاحاً، فألقى اللَّه حُبَّه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أوصى، فذكر رجلاً بالموصل، وكنا على أمر واحد حتى هلك.

فأتيت الموصل، فلقيت الرجل، فأخبرته بخبري، وأن فلاناً أمرني بإتيانك، فقال:

أقم. فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصى، فقال: ما أعرف أحداً على ما نحن عليه إلا رجلاً بعَمُّورية.

فأتيته بعَمُّورية، فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيء، واتخذت غُنَيْمَة وبُقَيْرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحداً اليوم على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظَلَّكَ نبي يُبْعث بدين إبراهيم الحَنِيفيّة، مُهَاجَرُه بأرض ذات نَخْل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوّة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت فتخلص إليه. فتوفي.

فمرّ بي ركب من العرب، من كلب، فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟ فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود، فرأيت النخل، فعلمت أنه البلد الذي وُصف لي، فأقمت عند الذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بني قُرَيظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث اللَّه نبيه ، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عَوْف، فإني لفي رأس نَخْلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل اللَّه بني قَيْلة (٢)، مررت بهم آنفاً وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة، يزعم أنه نبي، فو الّذي ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني القُرُّ (٣) ورَجَفَتْ بي النخلة، حتى كدْت أن أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخير؟


(١) زبره: نهره.
(٢) يريد الأوس والخزرج، قبيلتي الأنصار، وقيلة: اسم أم لهم قديمة.
(٣) القر: البرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>