للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما (الضرب الثاني) المريض الذي حكمه حكم الميت فهو: الميؤوس من حياته، مثل: أن يكون في النزع وقد شخص بصره وابيضت عيناه، أو يكون قد علاه الماء ولا يحسن العوم، أو كان قد قطع حلقه ومريئه، أو خرجت حشوته أو أبينت، أو قطع بنصفين وهو يتكلم - وحكى أبو على بن أبي هريرة: أن رجلا قطع بنصفين، فجعل يعاتب من فعل به ذلك - فهذا لا حكم لكلامه في وصية ولا عقد ولا إسلام ولا توبة.

قال الشيخ أبو حامد: فإن جنى جناية، أو أتلف مالا.. لم يلزمه ضمانها. وإن قتله قاتل.. لم يجب عليه قود ولا دية ولا كفارة؛ لأنه لم يبق فيه حياة مستقرة، وإنما يتحرك حركة مذبوح، وهذه حالة فرعون التي قال بها: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: ٩٠] (يونس: ٩٠) فلم يقبل منه. وهي الحالة التي قال الله تعالى فيها: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ} [النساء: ١٨] (النساء: ١٨) .

وأما الضرب الثالث: فهو المرض الذي يخاف منه التلف غالبا، وقد يرجى البرء منه، فهذا إذا وصى فيه.. صحت وصيته. وإن تصرف فيه.. صح تصرفه. وإن أعتق أو وهب وأقبض أو حابى فيه بالبيع والشراء.. صح جميع ذلك؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: ١٨٠] (البقرة: ١٨٠) ولم يرد به الموت نفسه؛ لأنه لا يمكنه معه الوصية، وإنما أراد به: إذا حضر سبب الموت.

وروي: (أن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما طعن.. سقاه الطبيب لبنا، فخرج من الجرح، فقال: اعهد إلى الناس، فعهد، وأمضت الصحابة عهده) .

فإن كان فعله ذلك في حالة مخوفة: فإن برئ.. لزم الكل، وإن مات من مرضه ذلك.. اعتبرت تبرعاته فيه مثل العتق والهبة والمحاباة من ثلث تركته؛ لما روى عمران بن الحصين: «أن رجلا أعتق في مرضه الذي مات فيه ستة مملوكين؛ لا مال له غيرهم، فجزأهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أجزاء، وأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة» .

<<  <  ج: ص:  >  >>