للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

رجال من قريش، وكان الطفيل شريفاً شاعراً لبيباً، فقالوا: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل بين أظهرنا، قد عَضَل (١) بنا وفَرَّق جماعتنا، وإنما قوله كالسحر، يُفَرِّق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبينه وبين زوجه، وإنما نخشى عليك وعلى قومك، فلا تكلمه ولا تسمع منه.

قال: فو اللَّه ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه، حتى حَشَوتُ أُذُنَيّ كُرسفاً (٢)، فَرَقاً أن يبلغني من قوله، وأنا أُريد أن لا أسمعه.

قال: فَغَدوت إلى المسجد فإذا رسول اللَّه قائم يُصَلّي عند الكعبة، قال: فقمت قريباً منه، فأبى اللَّه إلا أن يُسْمِعَني قوله، فسمعت كلاماً حسناً، قال: فقلت في نفسي: واثُكْلَ أُمِّي! واللَّه إني لرجل شاعر لبيب ما يخفى علي الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع هذا الرجل ما يقول! إن كان الذي يأتي به حسناً قَبِلْتُه، وإن كان قبيحاً تركته.

قال: فمكثت حتى انصرف رسول اللَّه إلى بيته، فتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه، فقلت: يا محمد، إن قومك قالوا لي كذا وكذا، ثم إن اللَّه أبى إلا أن أسمع قولك، فسمعت قولاً حسناً، فأعرِضْ عَليَّ أمرك.

قال: فَعَرَض علي الإسلام، وتلا علي القرآن، قال: فو اللَّه ما سمعت قولاً قطُّ، أحسَنَ منه، ولا أمراً أعدل منه، فأسلمت،

وقلت: يا رسول اللَّه، إني امرؤٌ مطاع في قومي، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام، فادع اللَّه أن يجعل لي آية، تكون لي عوناً عليهم فيما أدعوهم إليه. فقال:

اللَّهمّ، اجعل له آية.

قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بِثَنِيَّة تطلعني على الحاضر (٣)، وقع نور بين عيني مثل المصباح، قال: فقلت: اللَّهمّ، في غير وجهي، فإني أخشى أن يظنوا أنها مُثْلَة لفراقي دينهم.

فتحولَتْ في رأْس سَوْطي، فجعل الحاضر يتراءَون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق، وأنا أهبط إليهم من الثنية، فلما نزلت أتاني أبي، وكان شيخاً كبيراً، فقلت: إليك عني أبَه، فلستُ منك ولست مني. قال: ولم، أيْ بُنَيَّ؟ قلت: إني أسلمت. قال: أيْ بني، فديني


(١) يقال: عضل بي الأمر وأعضل بي: اشتد وغلظ. وفي سيرة ابن هشام ١/ ٣٨٢: أعضل بنا.
(٢) الكرسف: القطن.
(٣) في الاستيعاب ٧٦٠: فخرجت حتى أشرفت على ثنية أهلي التي تهبطنى على حاضر دوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>