للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في دارٍ في أَصْل الصفا، فلقيه النَّحام - وهو نعيم بن عبد اللَّه بن أَسيد، وهو أَخو بني عدي ابن كعب، قد أَسلم قيل ذلك، وعمر متقلد سيفه - فقال: يا عمر، أَين تريد؟ فقال:

أَعمد إِلى محمد الذي سفَّه أَحلام قريش، وشتم آلهتهم، وخالف جماعتهم. فقال النحام: واللَّه لبئس المَمْشَى مَشيت يا عمر! ولقد فَرَّطت وأَردت هَلَكة عدىّ بن كعب! أَو تراك تفلت من بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمداً؟ فتحاورا حتى ارتفعت أَصواتهما، فقال له عمر: إِني لأَظنك قد صبوت، ولو أَعلم ذلك لبدأْت بك! فلما رأَى النحَّام أَنه غير مُنْتَهٍ قال: فإِني أَخبرك أَن أَهلك وأَهل خَتَنك قد أَسلموا، وتركوك وما أَنت عليه من ضلالتك. فلما سمع عمر تلك يقولها قال: وأَيّهم؟ قال: خَتَنك وابن عَمِّك (١) وأختك. فانطلق عمر حتى أَتى أُخته،

وكان رسول اللَّه إِذا أتته طائفة من أَصحابه من ذوي الحاجة، نظر إِلى أُولى السعة، فيقول: عندك فلان. فوافق ذلك ابن عَمّ عمر وَخَتَنة - زوج أُخته - سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فدفع إِليه رسول اللَّه خباب بن الأَرَتّ، وقد أَنزل اللَّه تعالى: ﴿طه. مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى﴾ (٢).

وذكر نحْو ما تقدم، وفيه زياده ونقصان. قال ابن إِسحاق: فقال عمر عند ذلك - يعني إِسلامه: واللَّه لنحن بالإِسلام أَحق أَن نُبَادي (٣) منا بالكفر، فَلَيَظْهَرَنَّ بمكة دين اللَّه، فإِن أَراد قومنا بغياً علينا ناجزناهم، وإِن قومنا أَنصفونا قبلنا منهم. فخرج عمر وأَصحابه فجلسوا في المسجد، فلما رَأَتْ قريش إِسلام عمر سُقِط في أَيديهم.

وقال ابن إِسحاق: حدثني نافع، عن ابن عمر قال: لما أسلم عمر بن الخطاب قال: أي أهل مكة أنقل للحديث؟ فقالوا: جميل بن مَعْمَر. فخرج عمر وخرجت وراء أَبي، وأَنا غُلَيِّم أَعقل كُلَّ ما رأيت، حتى أتاه فقال: يا جميل هل علمت أنى أسلمت؟ فو اللَّه ما راجعه الكلام حتى قام يجر رداءه، وخرج عمر يتبعه، وأَنا مع أَبي، حتى إِذا قام على باب مسجد الكعبة، صرخ بأَعلى صوته: يا معشر قريش، إِن عمر قد صبأَ. فقال عمر: كذبت! ولكني أَسلمت.


(١) يعنى: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فهو ابن عم عمر، . وزوج أخته فاطمة. وقد مضت ترجمته برقم ٢٠٧٥: ٢/ ٣٨٧.
(٢) ينظر سيرة ابن هشام: ١/ ٣٤٣ - ٣٤٥.
(٣) أحق أن نبادى: أي نظهره ونعلنه على الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>