للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان عاقلا حليما مشهورا بالحلم، قيل للأحنف بن قيس: ممن تعلمت الحلم؟ فقال:

من قيس بن عاصم، رأيته يوما قاعدا بفناء داره محتبيا بحمائل سيفه، يحدّث قومه، إذ أتى برجل مكتوف وآخر مقتول، فقيل: هذا ابن أخيك قتل ابنك قال: فو اللَّه ما حل حبوته، ولا قطع كلامه. فلما أتمه التفت إلى ابن أخيه فقال: يا ابن أخي، بئسما فعلت، أثمت بربك، وقطعت رحمك، وقتلت ابن عمك، ورميت نفسك بسهمك، وقلّلت عددك. ثم قال لابن له آخر: قم يا بنى إلى ابن عمك، فحل كتافه، ووار أخاك، وسق إلى أمك مائة من الإبل دية ابنها فإنّها عريبة (١).

وكان قيس بن عاصم قد حرّم على نفسه الخمر في الجاهلية، وكان سبب ذلك أنه غمز عكنة (٢) ابنته وهو سكران، وسب أبويها، ورأى القمر فتكلم بشيء، وأعطى الخمّار كثيرا من ماله، فلما أفاق أخبر بذلك، فحرمها على نفسه، وقال في ذلك (٣):

رأيت الخمر صالحة وفيها … خصال تفسد الرّجل الحليما

فلا واللَّه أشربها صحيحا … ولا أشفى بها أبدا سقيما

ولا أعطى بها ثمنا حياتي … ولا أدعو لها أبدا نديما

فإنّ الخمر تفضح شاربيها … وتجنيهم بها الأمر العظيما

روى عنه أنه قال للنّبيّ : إني وأدت اثنتي عشرة بنتا، أو ثلاث عشرة بنتا! فقال له النبي : أعتق عن كل واحدة منهن نسمة.

أنبأنا إبراهيم بن محمد وغير واحد بإسنادهم عن محمد بن عيسى قال: حدثنا بندار، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن الأغرّ بن الصباح، عن خليفة بن حصين، عن قيس بن عاصم: أنه أسلم، فأمره النبيّ أن يغتسل بماء وسدر (٤)


(١) ينظر هذه الخبر في عيون الأخبار لابن قتيبة: ١/ ٢٨٦، كما ينظر بعضه في البيان والتبيين الجاحظ: ١/ ٤٣.
(٢) العكنة- بضم فسكون-: واحدة العكن- بضم ففتح- والأعكان. وهي الأطواء في البطن من السمن.
(٣) الأبيات والخبر في الاستيعاب: ٣/ ١٢٩٥.
(٤) تحفة الأحوذي، أبواب السفر، باب ما في الاغتسال عندما يسلم الرجل، الحديث ٦٠٢: ٣/ ٢٢٥، وقال الترمذي:
«هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والعمل عليه عند أهل العلم، يستحبون للرجل إذا أسلم أن يغتسل ويغسل ثيابه».
وقال الحافظ أبو العلى صاحب تحفة الأحوذي: «وأخرجه أبو داود، والنسائي، وأحمد، وابن حبان، وابن خزيمة، وصححه ابن السكن، كذا في النيل، وسكت عنه أبو داود، وذكر المنذري تحسين الترمذي، وأقره».
هذا وحديث الإمام أحمد في المسند: ٥/ ٦١.

<<  <  ج: ص:  >  >>