للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وروى ثور بن يزيد قال: كان معاذ إذا تهجد من الليل قال: اللَّهمّ، نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حَيٌّ قيوم. اللَّهمّ، طلبي الجنة بطيء، وهَرَبي من النار ضعيف. اللَّهمّ، اجعل لي عندك هُدىً تردّه إلى يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد.

ولما وقع الطاعون بالشام قال معاذ: اللَّهمّ، أدخل على آل معاذ نصيبهم من هذا. فطُعِنت (١) له امرأتان، فماتتا، ثم طعن ابنه عبد الرحمن فمات. تم طعِن معاذ بن جبل، فجعل يُغشَى عليه، فإذا أفاق قال: اللَّهمّ، غمّنى غمّك، فو عزّتك إنك لَتَعلم أني أُحِبك. ثم يغشى عليه.

فإذا أفاق قال مثل ذلك.

وقال عمرو بن قيس: إن معاذ بن جبل لما حضره الموت قال: انظروا، أصبحنا؟ فقيل:

لم نصبح. حتى أُتِيَ فَقِيل: أصبحنا. فقال: أعوذ باللَّه من ليلة صباحها إلى النار! مرحباً بالموت، مرحباً زائر حبيب جاءَ على فاقة! اللَّهمّ، تعلم أني كنت أخافُك، وأنا اليوم أرجوك، إني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاءِ فيها لكَرى (٢) الأنهار، ولا لغرْسِ الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حِلَق الذكر.

وقال الحسن: لما حضر معاذاً الموت جعل يبكي، فقيل له: أتبكي وأنت صاحب رسول اللَّه ، وأنت، وأنت؟ فقال: ما أبكي جَزَعاً من الموت، إن حل بي، ولا دنيا تركتها بعدي، ولكن إنما هي القبضتان، فلا أدري من أيِّ القبضتين أنا.

قيل: كان معاذ ممن يكسر أصنام بني سَلِمة.

وقال النبي : معاذ أمام العلماءِ يوم القيامة بِرَتْوَة (٣) أو رَتْوَتين.

وقال فروة الأشجعي، عن ابن مسعود: «إن معاذ بن جبل كان أُمّةً قانتاً للَّه حنيفاً، ولم يك من المشركين». فقلت له: إنما قال اللَّه: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ﴾ (٤). فأعاد قوله: «إن معاذاً كان أمة قانتاً للَّه، الآية، وقال: ما الأُمّة؟ وما القانت؟ قلت: اللَّه


(١) يقال: طعن الرجل- بالبناء للمجهول فهو طعين، إذا أصابه الطاعون.
(٢) أي: حفر الأنهار، يقال كريت النهر كريا: إذا حفرته.
(٣) الرتوة: رمية سهم، وقيل: ميل. وقيل: مدى البصر.
(٤) سورة النحل، آية: ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>