للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-وقد قبض على صل - وهي الحية - فهي تلتوى عليه، والشّيهم يعضّها حتى أكلها، فزجرت ذلك فقلت: الشيهم شيء مهم، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول اللَّه ، ثم أوّلت أكل الشّيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر. فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغابة زجرت (١) الطائر، فأخبرني بوفاته. ونعب غراب سانح فنطق بمثل ذلك، فتعوذت باللَّه من شر ما عنّ لي في طريقي. وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحاج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول اللَّه . فجئت المسجد فوجدته خاليا، وأتيت بيت رسول اللَّه فأصبت بابه مرتجا، وقيل: هو مسجى، وقد خلا به أهله. فقلت: أين الناس؟ فقالوا: في سقيفة بنى ساعدة، صاروا إلى الأنصار. فجئت إلى السقيفة فوجدت أبا بكر، وعمر، وأبا عبيدة بن الجراح، وسالما، وجماعة من قريش.

ورأيت الأنصار فيهم: سعد بن عبادة، وفيهم شعراؤهم: كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وملأ منهم. فآويت إلى قريش وتكلمت الأنصار فأطالوا الخطاب، وأكثروا الصواب. وتكلم أبو بكر فلله درّه من رجل لا يطيل الكلام، يعلم مواضع فصل الخصام! واللَّه لقد تكلم بكلام لا يسمعه سامع إلا انقاد له، ومال إليه. ثم تكلم عمر بعده بدون كلامه، ثم مدّ يده فبايعه وبايعوه. ورجع أبو بكر فرجعت معه. قال أبو ذؤيب: فشهدت الصلاة على محمد وشهدت دفنه. ثم أنشد أبو ذؤيب يبكى النبي (٢):

لما رأيت الناس في عسلانهم (٣) … ما بين ملحود له ومضرّح (٤)

متبادرين لشرجع (٥) بأكفهم … نصّ الرقاب، لفقد أبيض أروح (٦)

فهناك صرت إلى الهموم، ومن يبت … جار الهموم يبيت غير مروّح


(١) الزجر للطير: هو التيمن والتشاؤم بها، فكانوا يتيمنون بسنوحها، والسانح: ما أتاك عن يمينك من ظبي أو طائر، ويتشاءمون ببروحها، والبارح: ما أتاك عن يسارك.
(٢) الأبيات في الاستيعاب: ٤/ ١٦٥٠. ولم نجدها في ديوان الهذليين.
(٣) في المطبوعة والاستيعاب: «عسلاتهم»، بالتاء. وفي المصورة دون نقط، ولعل الصواب ما أثبتناه، مأخوذ من عسلان الذئب في سرعته واضطرابه في عدوه، يقال: عسل الثعلب والذئب يعسل عسلا- بفتحتين- وعسلانا: مضى مسرعا، واضطرب في عدوه، وهز رأسه. وقد استعار الشاعر ذلك للإنسان فقال:
واللَّه لولا وجع في العرقوب* لكنت أبقى عسلا من الذيب
(٤) ملحود له: مدفون. والمضرح: الّذي وضع في الضريح. وهو القبر.
(٥) الشرجع: النعش يحمل عليه الميت.
(٦) نص كل شيء: غايته ومنتهاه، يريد أنهم حملوه على رقابهم.
وأما أروح فلعله طيب الريح، من راح يراح روحا: إذا طاب. أو في معنى الأريحى، وهو الّذي يهتز للندى.

<<  <  ج: ص:  >  >>