للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أمن المنون وريبها تتوجّع … والدّهر ليس بمعتب من يجزع

قالت أمامة (١): ما لجسمك شاحبا … منذ ابتذلت ومثل مالك ينفع (٢)؟

أم ما لجنبك لا يلائم مضجعا … إلّا أقضّ عليك ذاك المضجع (٣)؟

فأجبتها: أن ما لجسمى (٤) أنّه … أودى بنىّ من البلاد فودّعوا (٥)

أودى بنىّ فأعقبونى حسرة … بعد الرّقاد وعبرة لا تقلع

فالعين بعدهم كأنّ حداقها … كحلت بشوك فهي عور (٦) تدمع

سبقوا هويّ (٧) وأعنقوا لهواهم … فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع

فغبرت بعدهم بعيش ناصب … وإخال أنّى لاحق مستتبع (٨)

ولقد حرصت بأن أدافع عنهم … فإذا المنيّة أقبلت لا تدفع

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها … ألفيت كلّ تميمة لا تنفع

وتجلّدى للشّامتين أريهم … أنّى لريب الدّهر لا أتضعضع

حتّى كأني للحوادث مروة … بصفا المشقّر كلّ يوم تقرع (٩)

والدّهر لا يبقى على حدثانه … جون السّحاب له جدائد أربع (١٠)

أخرجه أبو عمر مطولا، ولحسن هذه الأبيات أوردناها جميعها، واللَّه أعلم.


(١) في الديوان: «أميمة».
(٢) ابتذلت: امتهنت نفسك في الأعمال، لموت من كان يكفيه أمره. ويروى الفعل بالبناء للمجهول أيضا. تدعوه أمامه إلى أن يشترى من العبيد من يكفيه أمره.
(٣) أي: صار تحته مثل القضض، وهو الحصى.
(٤) في المطبوعة، «بجسمي». والمثبت عن المصورة، والديوان.
(٥) يقول: الّذي أنحل جسمي وأهزله هلاك أبنائى.
(٦) في المطبوعة والاستيعاب: «عورى». والمثبت عن المصورة والديوان. وعور: جمع عوراء، من العوار- بضم أوله وتشديد ثانيه- وهو: ما يصيب العين من رمد أو قذى.
(٧) هوى: هواي. وأعنقوا: أسرعوا.
(٨) غبرت: بقيت. ناصب: ذي نصب- بفتحتين- وهو: الجهد والتعب. ومستتبع: مستلحق، يقول: أنا مذهوب بي، وصائر إلى ما صاروا إليه.
(٩) المروة: حجر أبيض براق تقتدح منه النار، ويقال لمن كثرت مصائبه قرعت مروته. والمشقر: سوق بالطائف.
وفي الديوان: «بصفا المشرق»، والمشرق: مسجد الخيف بمنى.
(١٠) في الديوان: «جون السراة»، وقيل في شرحه: يريه به حمار الوحش، والجون: الأسود. والسراة: أعلى الظهر. والجدائد: أتنه.
اعتبر الشاعر في حدثان الدهر بحمار الوحش، لما ذكروا أنه يعمر مائتي سنة وأكثر من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>