للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معهم، ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قَنَصٍ (١) له، وكان صاحب قَنَص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يرجع إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة، وكان يومئذ مشركاً على دين قومِه، فلما مر بالمولاة، وقد قام رسول اللَّه فرجع إلى بيته، فقالت له: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقِيَ ابن أخيك محمد من أبي الحكم آنفاً، وجده (٢) هاهنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد.

فاحتمل حمزةَ الغضبُ لما أراد اللَّه تعالى به من كرامته، فخرج سريعاً لا يقف على أحد، كما كان يصنع يريد الطواف بالبيت، معداً لأبي جهل أن يقع (٣) به، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس، فضربه بها ضربة شجه شجة منكرة، وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل، فقالوا: ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت، فقال حمزة: وما يمنعني، وقد استبان لي منه ذلك؟ أنا أشهد إنه رسول اللَّه ، وإن الذي يقول الحقُّ، فو اللَّه لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين، قال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني واللَّه لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً. وتم حمزة على إسلامه، فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن رسول اللَّه قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه فكفوا عن بعض ما كانوا يتناولون منه.

ثم هاجر إِلى المدينة، وشهد بدراً، وأَبلى فيها بلاء عظيما مشهورا، فمن شيبة بن ربيعة بن عبد شمس مبارزة، وشرك في قتل عتبة بن ربيعة، اشترك هو وعلي في قتله (٤)، وقتل أيضا طعيمة ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف، أخا المطعم بن عدي.

قال أبو الحسن المدائني: أول لواءٍ عقدَه رسول اللَّه لحمزة بن عبد المطلب ، بعثه في سرية إلى سيف (٥) البحر من أرض جهينة، وخالفه ابن إسحاق، فقال: أول لواء عقده لعبيدة بن الحارث بن المطلب (٦).

وكان حمزة يُعْلم في الحرب بريشة نعامة. وقاتل يوم بدر بين يدي رسول اللَّه بسيفين، وقال بعض أساري الكفار: من الرجل المعلم بريشة نعامة؟ قالوا: حمزة . قال: ذاك فعل بنا الأفاعيل.

وشهد أحداً، فقتل بها يوم السبت النصف من شوال، وكان قتل من المشركين قبل أن يقتل واحداً وثلاثين نفساً، منهم: سباع الخزاعي، قال له حمزة: هلم إليّ يا ابن مُقَطِّعة البُظُور، وكانت أُمه ختانة، فقتله.


(١) القنص: الصيد.
(٢) في الأصل والمطبوعة: قبيل وجده هاهنا. ينظر سيرة ابن هشام: ١/ ٣٩٢.
(٣) وقع به: لامه وعنفه، وفي سيرة ابن هشام ١ - ٢٩٢: يوقع به، أي يقاتله.
(٤) ينظر سيرة ابن هشام: ١ - ٧٠٩.
(٥) سيف البحر بكسر السين: ساحله.
(٦) ينظر سيرة ابن هشام: ١ - ٥٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>