للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال ابن إسحاق: كان حمزة يقاتل يومئذ بسيفين، فقال قائل: أيّ أسد هو حمزة! فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة وقع منها على ظهره، فانكشف الدرع عن بطنه، فزرقه (١) وحشي الحبشي، مولى جبير بن مطعم، بحربة فقتله.

ومثل به المشركون، وبجميع قتلى المسلمين إلا حنظلة بن أبي عامر الراهب، فان أباه كان مع المشركين فتركوه لأجله، وجعل نساء المشركين: هند وصواحباتها يجد عن أنف المسلمين وآذانهم ويبقرون بطونهم، وبقرت هند بطن حمزة فأخرجت كبده، فجعلت تلوكها فلم تسغها فلفظتها،

فقال النبي : لو دخل بطنها لم تمسها النار. فلما شهده النبي اشتد وجده عليه، وقال: لئن ظفرت لأمثلنّ بسبعين منهم، فأنزل اللَّه سبحانه ﴿وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ، وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ﴾ (٢).

وروى أبو هريرة قال: وقف رسول اللَّه على حمزة، وقد مثل به، فلم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه، فقال: «رحمك اللَّه، أي عم، فلقد كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات».

وروى جابر قال: لما رأى رسول اللَّه حمزة قتيلا بكى، فلما رأى ما مثل به شهق، وقال: «لولا أن تجد (٣) صفية لتركته حتى يحشر من بطون الطير والسباع». وصفية هي أم الزبير وهي أخته. وروى محمد بن عقيل، عن جابر قال: «لما سمع النبي ما فعل بحمزة شهق، فلما رأى ما فعل به صعق.

ولما عاد النبي إلى المدينة سمع النوح على قتلى الأنصار، قال: لكن حمزة لا بواكي له. فسمع الأنصار فأمروا نساءهم أن يندبن حمزة قبل قتلاهم، ففعلن ذلك، قال الواقدي: فلم يزلن يبدأن بالندب لحمزة حتى الآن.

وقال كعب بن مالك يرثى حمزة، وقيل هي لعبد اللَّه بن رواحة (٤):

بكت عيني وحقّ لها بكاها … وما يغنى البكاء ولا العويل

على أسد الإله غداة قالوا … لحمزة (٥): ذاكم الرجل القتيل

أصيب المسلمون به جميعا … هناك وقد أصيب به الرسول

أبا يعلى، لك الأركان هدّت … وأنت الماجد البرّ الوصول

عليك سلام ربك في جنان … يخالطها نعيم لا يزول

ألا يا هاشم الأخيار صبرا … فكل فعالكم حسن جميل

رسول اللَّه مصطبر كريم … بأمر اللَّه ينطق إذ يقول


(١) زرقه برمحه: رماه به.
(٢) النحل: ١٢٦، ١٢٧.
(٣) تجد: تحزن.
(٤) الأبيات في سيرة ابن هشام ٢ - ١٦٢.
(٥) في السيرة: أحمزة.

<<  <  ج: ص:  >  >>