للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكم تنتظم للخلافة محاسنها، وتستقيم أمورها، وبنصائحكم يصلح الله للخلق سلطانهم وتعمر بلادهم (١)، لا يستغنى الملك عنكم، ولا يوجد كاف إلا منكم، فموقعكم من الملوك موقع أسماعهم التى بها يسمعون، وأبصارهم التى بها يبصرون، وألسنتهم التى بها ينطقون، وأيديهم التى بها يبطشون، فأمتعكم الله بما خصّكم من فضل صناعتكم، ولا نزع عنكم ما أضفاه (٢) من النعمة عليكم.

وليس أحد من أهل الصناعات كلّها، أحوج إلى اجتماع خلال الخير المحمودة، وخصال الفضل المذكورة المعدودة، منكم أيّها الكتّاب إذا كنتم على ما يأتى فى هذا الكتاب من صفتكم، فإن الكاتب يحتاج من نفسه، ويحتاج منه صاحبه الذى يثق به فى مهمات أموره. أن يكون حليما فى موضع الحلم، فهيما فى موضع الحكم، مقداما فى موضع الإقدام، محجاما فى موضع الإحجام، مؤثرا للعفاف، والعدل والإنصاف، كتوما للأسرار، وفيّا عند الشدائد، عالما بما يأتى من النوازل، يضع الأمور مواضعها، والطوارق أماكنها، قد نظر فى كل فنّ من فنون العلم فأحكمه فإن لم يحكمه أخذ منه بمقدار ما يكتفى به، يعرف بغريزة عقله، وحسن أدبه، وفضل تجربته، ما يرد عليه قبل وروده، وعاقبة ما يصدر عنه قبل صدوره، فيعدّ لكل أمر عدّته وعتاده (٣)، ويهيّئ لكل وجه هيئته وعادته.

فتنافسوا يا معشر الكتاب، فى صنوف الآداب، وتفقّهوا فى الدين؛ وابدوءوا بعلم كتاب الله عز وجل والفرائض، ثم العربيّة، فإنها ثقاف (٤) ألسنتكم، ثم أجيدوا الخط؛ فإنه حلية كتبكم، وارووا الأشعار، واعرفوا غريبها ومعانيها، وأيام العرب والعجم، وأحاديثها وسيرها، فإن ذلك معين لكم على ما تسموا إليه هممكم، ولا تضيّعوا النظر فى الحساب، فإنه قوام كتّاب الخراج، وارغبوا بأنفسكم عن المطامع:


(١) فيها «بلدانهم».
(٢) أسبغه.
(٣) العتاد: العدة.
(٤) الثقاف فى الأصل: ما تسوى به الرماح.

<<  <  ج: ص:  >  >>