للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال علىّ رضى الله عنه: مهلايا أبا حفص، أرشدك الله، خفّض عليك والله ما بذلت ما بذلت وأنا أريد نكثه، ولا أقررت ما أقررت وأنا أبتغى حولا عنه، وإنّ أخسر الناس صفقة عند الله من آثر النفاق (١)، واحتضن الشّقاق، وفى الله خلف عن كل فائت، وعوض من كل ذاهب. وسلوة عن كل حادث، وعليه التوكل فى جميع الحوادث، ارجع يا أبا حفص إلى منزلك ناقع القلب، مبرود الغليل، فسيح اللّبان، فصيح اللسان، فليس وراء ما سمعت وقلت إلا ما يشد الأزر، ويحطّ الوزر، ويضع الإصر (٢)، ويجمع الألفة، ويرفع الكلفة، بمشيئة الله، وحسن توفيقه.

قال أبو عبيدة رضى الله عنه، فانصرف علىّ وعمر رضى الله عنهما، وهذا أصعب ما مرّ علىّ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(صبح الأعشى ١: ٢٣٧، ونهاية الأرب ٧: ٢١٣، وشرح ابن أبى الحديد م ٢: ص ٥٩٢)

٥٨ - كتاب أبى بكر إلى أهل الرّدّة

كتب أبو بكر الصديق رضى الله عنه إلى قبائل العرب التى ارتدّت عن الإسلام بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم- سنة ١١ هـ- كتابا واحدا، ونصه:

«بسم الله الرحمن الرحيم: من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى من بلغه كتابى هذا من عامّة وخاصّة، أقام على إسلامه أو رجع عنه.

سلام على من اتبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضّلالة والعمى، فإنى أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأقرّ بما جاء به، وأكفّر من أبى وأجاهده.

أما بعد، فإن الله تعالى أرسل محمدا بالحقّ من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، لينذر من كان حيّا، ويحقّ القول على


(١) وفى ابن أبى الحديد «من استبطن النفاق».
(٢) اللبان: الصدر. الأزر الظهر والقوة. الإصر: الذنب والثقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>