للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥٠٩ - كتابه إلى أخيه]

وكتب عبد الحميد فى مولود ولد له- وهو أول مولود كان- إلى أخ له:

«أما بعد، فإنى (١) ما أتعرّف من مواهب الله نعمة خصصت بمزيتها، وأصفيت (٢) بخصيصتها (٣)، كانت أسرّ لى من هبة الله لى ولدا سميته «فلانا»، وأمّلت ببقائه بعدى حياة ذكرى، وحسن خلافة فى حرمتى، وإشراكه إياى فى دعائه، شافعا لى إلى ربه (٤) عند خلواته فى صلاته وحجه، وكل موطن من مواطن طاعته، فإذا نظرت إلى شخصه تحرّك به وجدى، وظهر به سرورى، وتعطّفت عليه منى أنسة (٥) الولد، وتولّت عنى به وحشة الوحدة، فأنا به جذل (٦) فى مغيبى ومشهدى أحاول مسّ جسده بيدى فى الظّلم، وتارة أعانقه وأرشفه. ليس يعدله عندى عظيمات الفوائد ولا منفسات (٧) الرغائب، سرّنى به واهبه لى على حين حاجتى. فشدّ به أزرى (٨) وحمّلنى من شكره فيه ما قد آدنى (٩) بثقل حمل النّعم السالفة إلىّ به، المقرونة سرّاؤها فى العجب بتارات ما يدركنى به من رقّة الشفقة عليه، مخافة مجاذبة المنايا إياه، ووجلا من عواصف الأيام عليه.


(١) فى الأصل «فإن مما» وهو تحريف.
(٢) أصفاه بكذا: آثره به.
(٣) لم ترد هذه الكلمة فى كتب اللغة، وفيها: «خصه بالشىء خصا بالفتح وخصوصا وخصوصية بالفتح فيهما وبضمان وخصيصى بالكسر والقصر ويمد، وخصية بفتح الأول وكسر الثانى مشددا وتشديد الثالث، وتخصة بفتح الأول وكسر الثانى وتشديد الثالث، واختصه: أفرده به دون غيره، والاسم الخصوصية بالفتح والضم والخصية بكسر أوله وثانيه مشددا، والخاصة والخصيصى والخصيصاء بكسر أولهما، وفعلت ذلك به خصية وخاصة وخصوصية» ولم ترد فيها كلمة خصيصة. أقول: وقد شاع فى عصرنا هذا استعمال كلمة «خصائص» ولأبى الفتح بن جنى (وهو من أحذق أهل العلم والأدب، توفى سنة ٣٩٢ هـ) كتاب جليل فى فقه اللغة سماه «الخصائص» وعندى أنها جمع خصيصة، وأن هذه الكلمة مما فات مدونى اللغة تدوينها.
(٤) بقوله: «رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ».
(٥) الأنسة بالتحريك والأنس بالضم وبالتحريك: ضد الوحشة.
(٦) أى فرح.
(٧) المنفس: النفيس.
(٨) الأزر: القوة والظهر.
(٩) آده الأمر: بلغ منه المجهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>