للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى التّيه، وغيّر الله نعمته، وأحلّ به نقمته، فنفسك نفسك، فقد بيّن الله لك سبيلك.

وحيث تناهت بك أمورك، فقد أجريت (١) إلى غاية خسر، ومحلة كفر، فإن نفسك قد أولجتك شرّا، وأقحمتك غيّا، وأوردتك المهالك، وأوعرت عليك المسالك.

وإن للناس جماعة يد الله عليها، وغضب الله على من خالفها، فنفسك نفسك قبل حلول رمسك (٢)، فإنك إلى الله راجع، وإلى حشره مهطع (٣)، وسيبهظك كربه، ويحلّ بك غمّه، يوم لا يغنى النادم ندمه، ولا يقبل من المعتذر عذره، يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون».

(شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٣، ونهج البلاغة ٢: ٢٦).

[٤٢٢ - كتاب على إلى معاوية]

«أما بعد: فإن الله سبحانه جعل الدنيا لما بعدها، وابتلى (٤) فيها أهلها، ليعلم أيّهم أحسن عملا، ولسنا للدنيا خلقنا، ولا بالسّعى فيها أمرنا (٥)، وإنما وضعنا فيها لنبتلى بها، وقد ابتلانى الله بك وابتلاك بى، فجعل أحدنا حجّة على الآخر، فغدوت على طلب الدنيا بتأويل القرآن (٦)، وطلبتنى بما لم تجن يدى ولا لسانى،


(١) أى أجريت مطيتك، والمعنى سارعت، والمحلة: المنزل، وأولجتك: أدخلتك، وأقحمتك رمت بك.
(٢) الرمس: القبر.
(٣) هطع كمنع وأهطع: أقبل مسرعا خائفا، لا يكون إلا مع خوف، وقيل المهطع من ينظر فى ذل وخضوع لا يقلع بصره، أو الساكت المنطلق إلى من هتف به، وبهظه الأمر كمنعه: غلبه وثقل عليه وبلغ به مشقة، ويغنى: يفيد، والمولى: الصديق والنصير.
(٤) أى اختبر.
(٥) أى لم نؤمر بالسعى فيها لها بل لغيرها وهو الآخرة.
(٦) وذلك أن معاوية كان يقول لأهل الشام، أنا ولى عثمان، وقد قتل عثمان مظلوما، وقد قال تعالى «وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً» (ومعنى التأويل هنا أنه يجعل الآية منطبقة عليه ويقيم نفسه وليا لعثمان مع وجود أبناء عثمان) ثم يعدهم الظفر والدولة على أهل العراق بقوله تعالى عقب ذلك «فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً»

<<  <  ج: ص:  >  >>