للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يستخفّ له رأيا ولا بدنا، وكان لا يأشر (١) عند نعمة، ولا يستكين عند مصيبة، وكان خارجا من سلطان لسانه، فلا يتكلم بما لا يعلم، ولا يمارى (٢) فيما علم، وكان خارجا من سلطان الجهالة، فلا يتقدم أبدا إلا على ثقة بمنفعة، وكان أكثر دهره صامتا، فإذا نطق بذّ القائلين، وكان يرى ضعيفا مستضعفا، فإذا جدّ الجدّ فهو الليث عاديا، وكان لا يدخل فى دعوى، ولا يشارك فى مراء، ولا يدلى بحجّة حتى يرى قاضيا فهما وشهودا عدولا، وكان لا يلوم أحدا على ما قد يكون العذر فى مثله حتى يعلم ما اعتذاره، وكان لا يشكو وجعه إلا إلى من يرجو عنده البرء، ولا يستشير صاحبا إلا من يرجون عنده النصيحة، وكان لا يتبرّم (٣) ولا يتسخط، ولا يتشكى ولا يتشهّى، وكان لا ينقم على الولىّ، ولا يغفل عن العدوّ (٤) ولا يخصّ نفسه دون إخوانه بشىء من اهتمامه وحيلته وقوته.

فعليك بهذه الأخلاق إن أطقتها- ولن تطيق- ولكن أخذ القليل خير من ترك الجميع». (الأدب الكبير ص ١٢٩، وزهر الآداب ١: ٢٢٤)

[٣٢ - كتاب ابن المقفع إلى صديق له يهنئه بمولودة]

وكتب ابن المقفع إلى صديق له، ولدت له جارية:

«بارك الله لكم فى الابنة المستفادة، وجعلها لكم زينا، وأجرى لكم بها خيرا، فلا تكرهها، فإنهن الأمّهات والأخوات والعمّات والخالات، ومنهن الباقيات الصالحات، وربّ غلام ساء أهله بعد مسرّتهم، وربّ جارية فرّحت أهلها بعد مساءتهم». (اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٣٠٤)


(١) هذه الجملة وما بعدها واردتان فى زهر الآداب الكبير، وأشر كبطر وزنا ومعنى، وفى زهر الآداب «لا بتأثر» وهو تحريف.
(٢) لا يجارى: لا يجادل، وفى الأدب الكبير «ولا ينازع».
(٣) يتبرم: يضجر.
(٤) وفى زهر الآداب «ولا ينتقم من العدو، ولا يغفل عن الولى».

<<  <  ج: ص:  >  >>