للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأيت وبلوت، رجوت أن تكون أفضل عند الله منزلة من عمر بن الخطاب، فقل كما قال العبد الصالح:

«وما توفيقى إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب، والسلام عليك».

(سيرة عمر لابن الجوزى ص ١٢٧)

[٤٢٣ - كتاب الحسن البصرى إلى عمر بن عبد العزيز صفة الإمام العادل]

ولما ولى عمر بن عبد العزيز الخلافة كتب إلى الحسن البصرى (١) أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل، فكتب إليه الحسن رحمه الله:

«اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كلّ مائل، وقصد (٢) كلّ جائر، وصلاح كل فاسد، وقوّة كل ضعيف، ونصفة (٣) كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالراعى الشفيق على إبله، الرفيق الذى يرتاد لها أطيب المرعى، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنفها من أذى الحرّ والقرّ (٤)، والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأب الحانى على ولده، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم فى حياته. ويدّخر لهم بعد مماته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرّة الرّفيقة بولدها، حملته كرها، ووضعته كرها، وربّته طفلا، تسهر بسهره، وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتمّ بشكايته. والإمام العدل يا أمير المؤمنين وصىّ اليتامى، وخازن المساكين يربّى صغيرهم،


(١) هو أبو سعيد الحسن بن أبى الحسن يسار البصرى، وكان أبوه يسار من سبى ميسان، (بلدة بأسفل البصرة) سباه المغيرة بن شعبة حين افتتحها فى عهد عمر بن الخطاب، ثم صار يسار مولى لزيد ابن ثابت وعنه أخذ الحسن العلم وتفقه فى الدين، وكانت أم الحسن وتسمى خيرة مولاة لأم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم وفى بيتها ولد الحسن سنة ٢١ وقيل سنة ٢٢ بالمدينة المنورة، ونشأ الحسن بوادى القرى وتلقى الفصاحة عن أعرابه، وكان من سادات التابعين وكبرائهم، بارعا فى الفقه، معروفا بالورع والزهد والعبادة، وهو شيخ واصل بن عطاء رأس المعتزلة. وكانت وفاته بالبصرة سنة ١١٠ هـ فى خلافة هشام.
(٢) هداية ورشاد.
(٣) اسم من الإنصاف.
(٤) مثلث القاف: البرد.

<<  <  ج: ص:  >  >>