للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٤٧ - كتابه إلى بشار بن رضابة]

وكتب ينصح بشّار بن رضابة:

«بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد: فإنى رأيتك فى أول زمانك تغدو على العلماء وتروح عنهم (١)، وتحدّث عن الله وعن ملائكته ورسله، وقد أصبحت تحدّث عن معن (٢) وعن عمّاله، وعن أبى مسلم (٣) وعن أصحابه، فبئس للظالمين بدلا (٤)، فمن خلّفت على أهلك، أم على من تتكل فى هول سفرك، أم بمن تثق فى حال غربتك؟ أبا لله أم عليه؟ وكيف؟ ولست أخشى عليك إلا من قبله، لأنه قد أعذر إليك وأنذر، فعصيت أمره، وأطعت أعداءه، وخرجت مغاضبا تظنّ أن لن يقدر عليك (٥)، فاتّق على نفسك الزّلل، وانزل من دابّتك فى كل جبل (٦)،


(١) غدا يغدو غدوا. ذهب غدوة بالضم: وهى ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس، وراح يروح رواحا: سار بالعشى، هذا هو الأصل فى الغدو والرواح، وقد استعملتهما العرب فى الذهاب فى أى وقت كان من ليل أو نهار، ومنه الحديث: «من راح إلى الجمعة فى الساعة الأولى» أى مشى إليها وذهب إلى الصلاة.
(٢) هو معن بن زائدة الشيبانى، وكان شجاعا جوادا جزيل العطاء كثير المعروف، وكان فى أيام بنى أمية متنقلا فى الولايات، منقطعا إلى ابن هبيرة أمير العراقين، ثم ولى سجستان فى أواخر أمره فى عهد بنى العباس، وتوفى سنة ١٥١ هـ- انظر ترجمته فى وفيات الأعيان ٢: ١٠٨ - .
(٣) يعنى أبا مسلم الخراسانى، وقد تقدم.
(٤) أخذه من قوله تعالى فى إبليس: «أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا».
(٥) اقتبسه من قوله تعالى: «وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ».
وذو النون: هو يونس، والنون: الحوت.
(٦) وانزل من دابتك أى مطية غوايتك التى تقتحم بك المهالك، كنى بها عن كل ما يكون وصلة للشر من المال أو الجاه أو الصحة أو الفراغ. فى كل جبل: أى عقبة من العقبات اللاتى تحول دون الخير. والمعنى: إذا جمحت بك تلك المطية فى عقبة من تلك العقبات فبادر بالنزول لئلا تتوغل بك فيها فتهلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>