للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٣ - كتاب ميمون بن إبراهيم إلى الحسن بن وهب]

وكتب ميمون (١) بن إبراهيم إلى الحسن بن وهب يعزّيه عن أمه:

«خطوب الأيام مقضيّة على هذا الخلق، ولو كانت مدفوعة عن أحد، لكثرة من يقيه من إخوانه، ويفديه منهم الأخصّ فالأخصّ من أعزّائه وخلّانه، سلمت منها وعريت من ملمّها، وكان سبقى إلى ذلك أبرز سبق، وحظّى فى التقدم فيه أوفر حظّ، ومصيبتك- أكرمك الله- بالوالدة لى مصيبة، وما نالك من ذلك لقلبى موجع. ولو كان فى طاقتى أن أعلم كنه ما خامر قلبك من ألم ذلك، لحملت مثله على نفسى، وإنى أحبّ أن أكون أسوتك فى كل سارّ وغامّ، ولا أتمتّع بأيام غمومك، ولا أقصّر فيها عن مقدار حالك، فعظّم الله أجرك، وجبر مصابك، وضاعف ثوابك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله الذى لا يحمد على المكروه غيره. ثم الحمد لله الذى جعلك مكتفيا بنفسك فى مواطن حقوق الله عليك، والمرجع فى اقتصارى على الكتاب- إذ كان دون الذى ينبغى فيما يلزمنى، وإن كنت قد سلكت نفسى أوّل من لقيك معزّيا ومؤاسيا- إلى علمك بالحال فى ذلك، وإن كنت أثق بأنى ممن لا يحتاج إلى اعتذار عندك، فإن رأيت أن تدخل إلىّ الرّوح (٢) بكتابك وخبرك فى نفسك، وما رزقك الله من حسن التّعزّى عند مصيبتك، لأحمد الله على النعمة عندى فيما ألهمك من التوفيق والعصمة فعلت، والتعزية- جعلت فداءك- تجدّد اللوعة للمحزون، وقد توقيت ذلك فى أبى أيوب (٣) إشفاقا عليه، فجعل الله لكل عبرة أفضتماها، وجرعة تجرعتماها فى هذه المصيبة، حجابا لكما من كل سوء، ووقاية لكما من كل محذور».

(اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٣١٧)


(١) كان إليه خاص المكاتبات فى أيام المتوكل، وكان بليغا فصيحا مترسلا ... انظر الفهرست ص ١٨٠.
(٢) الروح: الراحة.
(٣) يعنى سليمان بن وهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>