للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قطع لطمع غيره، فليبعث به أمير المؤمنين إن رأى ذلك، والسلام».

فلما قرأ الكتاب، بعث إلى عروة، ثم قال له: إن كتاب الحجاج قد ورد فيك، وقد أبى إلا إشخاصك (١) إليه، ثم قال لرسول الحجاج: شأنك به، فالتفت إليه عروة مقبلا عليه، وقال: أما والله ما ذلّ وخزى من مات، ولكن ذلّ وخزى من ملكتموه! والله لئن كان الملك بجواز الأمر ونفاذ النّهى، إن الحجاج لسلطان عليك، ينفذ أموره دون أمورك، إنك لتريد الأمر بزينك عاجله، ويبقى لك أكرومة (٢) آجله، فيجذبك عنه، ويلقاه دونك، ليتولّى من ذلك الحكم فيه، فيحظى بشرف عفو إن كان، أو بجرم عقوبة إن كانت، وما حاربك من حاربك إلا على أمر هذا بعضه.

فنظر فى كتاب الحجاج مرة، ورفع بصره إلى عروة تارة، ثم دعا بدواة وقرطاس، فكتب إليه:

[٢٥٧ - رد عبد الملك على الحجاج]

«أما بعد: فإن أمير المؤمنين رآك- مع ثقته بنصيحتك- خابطا فى السّياسة خبط عشواء (٣) الليل، فإن رأيك الذى يسوّل لك أن الناس عبيد العصا، هو الذى أخرج رجالات العرب إلى الوثوب عليك، وإذا أخرجت العامة بعنف السياسة، كانوا أوشك (٤) وثوبا عليك عند الفرصة، ثم لا يلتفتون إلى ضلال الداعى ولا هداه، إذا رجوا بذلك إدراك الثّأر منك، وقد وليت العراق قبلك ساسة، وهم يومئذ أحمى أنوفا، وأقرب من عمياء الجاهلية، وكانوا عليهم أصلح منك عليهم، وللشدّة واللّين أهلون، والإفراط فى العفو أفضل من الإفراط فى العقوبة، والسلام».

(العقد الفريد ٣: ١٧)


(١) إرسالك.
(٢) الأكرومة: فعل الكرم، أفعولة من الكرم كأعجوبة من العجب.
(٣) العشواء: الناقة التى لا تبصر أمامها، فهى تخبط بيديها كل شىء.
(٤) أسرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>