للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمن كرمت أخلاقه أن يعاف (١) مقاربة صاحبه المدلّ بجزم نيّته، والذى أتمناه أيها المولى اللطيف مجلس أقف فيه أمامك، ثم أبوح بما أضنى جسدى، وفتّت كبدى، فإن خفّ ذلك عليك، ورأيت نشاطا من نفسك إليه، كنت كمن فكّ أسيرا، وأبرأ عليلا، ومن الخير سلك سبيلا يتوعّر سلوكها على من كان قبله ويكون بعده، ثم أضاف إلى ذلك منّة لا يطيقها جبل راس، ولا فلك دائر.

فرأيك أيها السيد المعتمد فى الإسعاف قبل أن يبدر (٢) فىّ الموت، فيحول بينى وبين ما نزعت (٣) إليه النفس مواصلا برّا إن شاء الله تعالى».

(زهر الآداب ٣: ١٤)

[٢٧٤ - رده عليه]

فأجابه:

«تولّى الله تعالى ما جرى به لسانك بالمزيد، ولا أوحش ما بيننا بطائر فرقة، ولا حافر (٤) تشتّت، وضمّنا وإياك فى أوثق حبال الأنس، وأوكد أسباب الألفة وقفت على ما لخصته من العجز عن بلوغ ما خامر قلبك، وانطوى فى ضميرك، من الشّغف المقلقل، والهوى المضرع (٥)، ولعمرى لو كشف لك عن معشار (٦) ما اشتمل عليه مضمر صدرى، لأيقنت أن الذى عندك إذا نسبته إلى ما عندى كالمتلاشى الزّائل ولكنك بفضل الإنعام سبقتنا إلى كشف ما فى الضمير. وأما طاعتى لك وذمامى (٧) إليك، فطاعة العبد المقتنى الطائع لما يحكم له وعليه مولاه ومالكه، وأنا سائر إليك وقت كذا، فتأهّب لذلك بأجهد عافية، وأتم عاقبة، وأسعد نجم، حرىّ بالألفة إن شاء الله تعالى». (زهر الآداب ٣: ١٥)


(١) يكره.
(٢) يسرع ويعجل إلى.
(٣) اشتاقت.
(٤) حافر الدابة معروف، والمراد به الدابة: أى ولا كان سبب الوحشة بيننا مطية تقلك إلى مكان تاء عنا.
(٥) أضرعه: أذله.
(٦) المشعار والعشير والعشر: جزء من عشرة.
(٧) الذمام. الحق والحرمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>