للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنى أحمد الله ذا العزة القدير، إليك وإلى الصغير والكبير، بالرحمة العامّة، والبركة التامة.

أما بعد، فاغنم واسلم، واعلم- إن كنت تعلم- أنه من يرحم يرحم، ومن يحرم يحرم، ومن يحسن يغنم، ومن يصنع المعروف لا يعدم (١)، وقد سبق إلىّ تغضّبك علىّ، واطّراحك لى، وغفلتك عنى، بما لا أقوم له ولا أقعد، ولا أنتبه ولا أرقد، فلست بحىّ صحيح، ولا بميت مستريح، فررت بعد الله منك إليك، وتحمّلت بك عليك، ولذلك قلت:

أسرعت بى حثّا إليك خطائى ... فأناخت بمذهب ذى رجاء (٢)

راغب راهب إليك يرجّى ... منك عفوا عنه وفضل عطاء

ولعمرى ما من أصرّ ومن تا ... ب مقرّا من ذنبه بسواء

فإن رأيت- أراك الله ما تحبّ، وأبقاك فى خير- أن لا تزهد فيما ترى من تضرّعى وتخشّعى، وتذلّلى وتضعّفى، فإن ذلك ليس منى بنحيزة (٣) ولا طبيعة، ولا على وجه تصنّع ولا تخدّع، ولكنه تذلّل، وتخشّع، وتضرّع، من غير ضارع (٤) ولا مهين ولا خاشع لمن لا يستحق ذلك، إلّا لمن التضرّع له عزّ ورفعة وشرف».

(البيان والتبيين ٣: ١١٠)

[١١٦ - بين ابن سيابة وصديق له]

وكتب إبراهيم بن سيابة إلى صديق له يساويه فى الأدب، ويرتفع عليه فى الحال، وكان كثير المال، كثير الصامت، يستسلف منه بعض ما يرتفق به إلى أن يأتيه بعض ما يؤمّل، فكتب إليه صديقه هذا يعتذر ويقول: «إن المال مكذوب له وعليه،


(١) أخذه من قول الحطيئة:
من يفعل الخير لم يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس
(٢) الخطوة بالفتح: المرة الواحدة من الخطو، والجمع خطوات بالتحريك وخطاء بالكسر.
(٣) النحيزة: الطبيعة.
(٤) الضارع: الذليل، والمهين: الحقير.

<<  <  ج: ص:  >  >>