للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٠٣ - رد نافع على نجدة]

فكتب إليه نافع:

«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: فقد أتانى كتابك تعظنى فيه وتذكرنى، وتنصح لى وتزجرنى، وتصف ما كنت عليه من الحق، وما كنت أوثره من الصواب، وأنا أسأل الله جلّ وعزّ أن يجعلنى من «الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه» وعبت علىّ ما دنت به من إكفار القعد وقتل الأطفال واستحلال الأمانة، فسأفسّر لك لم ذلك إن شاء الله:

أما هؤلاء القعد: فليسوا كما ذكرت ممّن كان بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا بمكة مقهورين محصورين، لا يجدون إلى الهرب سبيلا، ولا إلى الاتصال بالمسلمين طريقا، وهؤلاء قد فقهوا فى الدين، وقرءوا القرآن، والطريق لهم نهج واضح، وقد عرفت ما قال الله عز وجل فيمن كان مثلهم، إذ «قالوا كنا مستضعفين فى الأرض» فقيل لهم «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها» وقال «فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ» (١) وقال «وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ» (٢) فخبّر بتعذيرهم وأنهم كذبوا الله ورسوله، وقال: «سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» فانظر إلى أسمائهم وسماتهم (٣)».


(١) أى فرحوا بقعودهم عن الغزو بعد رسول الله- وذلك فى غزوة تبوك وتمام الآية الكريمة:
«وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ».
(٢) يعنى أسدا وغطفان، استأذنوا فى التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال، وقيل هم رهط عامر بن الطفيل، قالوا: إن غزونا معك أغارت طيئ على أهالينا ومواشينا. والمعذر: إما من عذر فى الأمر إذا قصر فيه موهما أن له عذرا ولا عذر له، فالمعنى: المقصرون الذين لا عذر لهم- وهذا ما يعنيه نافع فى كتابه- وإما من اعتذر فأصله المعتذرون، ألقيت فتحة التاء على العين وأبدل منها ذال وأدغمت فى الذال التى بعدها، ومعناه: الذين يعتذرون، كان لهم عذر أو لم يكن، وقرأ ابن عباس المعذرون بسكون العين- وهم الذين لهم العذر- وكان يقول: والله لكذا أنزلت، وقال: لعن الله المعذرين (بالتشديد).
(٣) جمع سمة، وهى العلامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>