للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٧٥ - رسالة سهل بن هرون فى البخل]

وهذه رسالة سهل (١) بن هرون بن راهبون إلى بنى عمه من آل راهبون، حين ذمّوا مذهبه فى البخل، وتتبّعوا كلامه فى الكتب:

«بسم الله الرحمن الرحيم: أصلح الله أمركم، وجمع شملكم، وعلمكم الخير، وجعلكم من أهله، قال الأحنف بن قيس: «يا معشر بنى تميم لا تسرعوا إلى الفتنة، فإن أسرع الناس إلى القتال أقلّهم حياء من الفرار» وقد كانوا يقولون: «إذا أردت أن ترى العيوب جمّة فتأمّل عيّابا، فإنه إنما يعيب الناس بفضل ما فيه من العيب»، وأوّل العيب (٢) أن تعيب ما ليس بعيب، وقبيح أن تنهى مرشدا، وأن تغرى بمشفق، وما أردنا بما قلنا إلّا هدايتكم وتقويكم، وإلّا إصلاح فسادكم وإبقاء النعمة


(١) هو سهل بن هرون بن «راهبون» كما جاء فى كتاب البخلاء وسرح العيون، وفى حياة الحيوان للدميرى «راهويه» وفى الفهرست لابن النديم «رامنوى الدستميسانى» فارسى الأصل من أهل نيسابور ثم انتقل إلى البصرة، وكان شعوبيا- والشعوبية بضم الشين: فرقة تبغض العرب وتحتقرها وتتعصب للفرس عليها، اقرإ البيان والتبيين ٣: ٥ والعقد الفريد ٢: ٧٠ - وكان أول أمره خاصا بالفضل ابن سهل، فقدمه إلى المأمون، فأعجب ببلاغته وعقله، وجعله صاحب بيت الحكمة. وكان حكيما شاعرا فصيحا، إلا أنه كان نهاية فى البخل، وله فيه حكايات عجيبة. من ذلك ما حكاه دعبل الخزاعى، قال:
كنا عنده يوما فأطلنا العقود حتى كاد يموت جوعا، ثم قال: ويحك يا غلام غدّنا، فأتاه بصحفة فيها مرق تحته ديك هرم لا تحز فيه السكين ولا يؤثر فيه الضرس، فتأمله ثم قال: أين الرأس يا غلام؟ قال: رميت به، قال: ولم؟ قال: لم أظنك تأكله ولا تسأل عنه، قال: ولم ظننت ذلك؟ إنى والله لأمقت من يرمى برجله، فكيف من يرمى برأسه! ولو لم يكن فيما فعلت إلا الطيرة والفأل لكرهته، أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء، وفيه الحواس الخمس، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه عرفه الذى يتبرك به وعينه التى يضرب بها المثل فى الصفاء، فيقال: شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكايتين، ولم يرقط عظم أهش تحت الأسنان منه. وهب أنك ظننت أنى لا آكله، أو ليس العيال كانوا يأكلونه؟
فإن كان قد بلغ من جهلك أن لا تأكله فعندنا من يأكله، أما علمت أنه خير من طرف الجناح، ومن رأس العنق؟ انظر إلى أين هو؟ فقال والله ما أدرى أين هو، ولا أين رميت به، فقال: لكنى والله أدرى، إنك رميته فى بطنك قاتلك الله، - انظر أخباره فى سرح العيون ص ١٦٥ والفهرست لابن النديم ص ١٧٤ وص ١٨٢ والعقد الفريد ٣: ٢٦٥ وزهر الآداب ٢: ٢٠١ وحياة الحيوان للدميرى ١: ٥١٣.
(٢) وفى العقد الفريد «ومن أعيب العيب».

<<  <  ج: ص:  >  >>