للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معتب (١)، وأكون أفضل شاكر، ولعلّ الله أن يجعل هذا الأمر سببا لهذا الإنعام، وهذا الإنعام سببا للانقطاع إليكم، والكون تحت أجنحتكم، فيكون: لا أعظم بركة، ولا أنمى بقيّة، من ذنب أصبحت فيه، وبمثلك- جعلت فداك- عاد الذنب وسيلة، والسيئة حسنة، ومثلك من انقلب به الشرّ خيرا، والغرم غنما.

من عاقب فقد أخذ حظّه، وإنما الأجر فى الآخرة، وطيب الذّكر فى الدنيا، على قدر الاحتمال، وتجرّع المرائر، وأرجو الّا أضيع وأهلك فيما بين كرمك وعقلك، وما أكثر من يعفو عمن صغر ذنبه وعظم حقه! وإنما الفضل والثناء:

العفو عن عظيم الجرم، ضعيف الحرمة، وإن كان العفو عظيما مستطرفا من غيركم، فهو تلاد فيكم، حتى ربما دعا ذلك كثيرا من الناس إلى مخالفة أمركم، فلا أنتم عن ذلك تنكلون (٢)، ولا على سالف إحسانكم تندمون، وما مثلكم إلا كمثل عيسى بن مريم عليه السلام حين كان لا يمرّ بملإ من بنى إسرائيل إلا أسمعوه شرا وأسمعهم خيرا، فقال له شمعون الصفا: ما رأيت كاليوم! كلما أسمعوك شرا سمعتهم خيرا! فقال «كل امرئ ينفق مما عنده» وليس عندكم إلا الخير، ولا فى أوعيتكم إلا الرحمة، «وكل إناء بالذى فيه ينضح».

(سرح العيون ص ١٧٥)

[٦٠ - كتاب له فى الاستعطاف]

«زيّنك الله بالتقوى، وكفاك ما همّك فى الآخرة والأولى، من عاقب- أبقاك الله تعالى- على الصغيرة عقوبة الكبيرة، وعلى الهفوة عقوبة الإصرار، فقد تناهى فى الظلم، ومن لم يفرّق بين الأسافل والأعالى، والأدانى والأقاصى، فقد قصّر، والله لقد كنت أكره سرف الرّضا، مخافة أن يؤدّى إلى سرف الهوى،


(١) أعتبه: أرضاه.
(٢) نكل عنه كضرب ونصر وعلم: نكص.

<<  <  ج: ص:  >  >>