فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأخرى، فلما رأى عمرو ما حاز محمد من المال غضب وقال: قبح الله زمانا عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فيه عامل! والله إنى لأعرف الخطاب يحمل فوق رأسه حزمة من الحطب وعلى ابنه مثلها، وما منهما إلا فى نمرة لا تبلغ رسغيه (والنمرة بفتح فكسر: شملة فيها خطوط بيض وسود، أو بردة من صوف يلبسها الأعراب) والله ما كان العاص بن وائل يرضى أن يلبس الديباج مزررا بالذهب. فقال له محمد: إيها يا عمرو، فعمر والله خير منك، وأما أبوك وأبوه ففى النار، وو الله لولا ما دخلت فيه من الاسلام لألفيت معتقلا عنزا بفناء دارك يسرك غزرها، ويسوءك بكؤها (غزرت الماشية ككرم غزارة وغزارا بالفتح وغزارا بالضم: درت ألبانها، وبكأت الشاة والناقة كجعل وكرم، بكأ وبكاءة بالفتح وبكوءا وبكاء بالضم: قل لبنها) فقال له عمرو: أنشدك الله أن تخبر عمر بقولى فان المجالس بالأمانة، فقال لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حى. (٢) كان أول ما عمله عمر رضى الله عنه فى خلافته أن ندب الناس إلى أهل فارس مع المثنى بن حارثة الشيبانى أمير جند العراق، فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود الثقفى. فقدم العراق وهو الأمير على المثنى وغيره، وكان الفرس قد عسكروا بالنمارق، فقاتلهم أبو عبيد قتالا شديدا، وهزم الفرس، وأخذوا نحو كسكر (كجعفر) وكانت قطيعة لنرسى ابن خالة كسرى، فسار إليهم أبو عبيد والتقوا بالسقاطية أسفل من ككر، ودارت الدائرة على جيش الفرس، وهرب نرسى وغلب على عسكره وأرضه، وجمع أبو عبيد الغنائم، وأخذت خزائن نرسى وفيها النرسيان بكسر النون والسين وهو تمر كان النرسى يحميه. لا يأكله إلا ملوك الفرس، أو من أكرموه بشئ منه، ولا يغرسه غيرهم- فجعلوا يطعمونه الفلاحين، وبعث أبو عبيد بخمسه إلى عمر، وكتب إليه الكتاب المذكور.