للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٧ - رد معاوية على الحسن]

«أما بعد: فقد فهمت ما ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحق الأولين والآخرين بالفضل كله، وذكرت تنازع المسلمين الأمر بعده، فصرّحت بتهمة أبى بكر الصديق وعمر وأبى عبيدة الأمين وصلحاء المهاجرين، فكرهت لك ذلك. إن الأمة لمّا تنازعت الأمر بينها، رأت قريشا أخلقها به، فرأت قريش والأنصار وذوو الفضل والدين من المسلمين أن يولّوا من قريش أعلمها بالله، وأخشاها له، وأقواها على الأمر، فاختاروا أبا بكر ولم يألوا (١)، ولو علموا مكان رجل غير أبى بكر يقوم مقامه ويذبّ عن حرم الإسلام ذبّه، ما عدلوا بالأمر إلى أبى بكر، والحال اليوم بينى وبينك على ما كانوا عليه، فلو علمت أنك أضبط لأمر الرعية، وأحوط على هذه الأمة، وأحسن سياسة، وأكيد للعدو، وأقوى على جمع الفئ، لسلّمت لك الأمر بعد أبيك، فإن أباك سعى على عثمان حتى قتل مظلوما، فطالب الله بدمه، ومن يطلبه الله فلن يفوته، ثم ابتزّ الأمة أمرها، وفرّق جماعتها، فخالقه نظراؤه من أهل السابقة والجهاد والقدم فى الإسلام، وادعى أنهم نكثوا بيعته، فقاتلهم، فسفكت الدماء، واستحلّت الحرم، ثم أقبل إلينا لا يدّعى علينا بيعة، ولكنه يريد أن يملكنا اغترارا، فحاربناه وحاربنا، ثم صارت الحرب إلى أن اختار رجلا واخترنا رجلا ليحكما بما تصلح عليه الأمة، وتعود به الجماعة والألفة، وأخذنا بذلك عليهما ميثاقا، وعليه مثله، على الرّضا بما حكما، فأمضى الحكمان عليه الحكم بما علمت وخلعاه، فو الله ما رضى بالحكم، ولا صبر لأمر الله، فكيف تدعونى إلى أمر إنما تطلبه بحق أبيك وقد خرج منه، فانظر لنفسك ولدينك، والسلام».

ثم قال للحارث وجندب: ارجعا فليس بينى وبينكم إلا السيف.

(شرح ابن أبى الحديد م ٤: ص ٩)


(١) ألا يألو: قصر وأبطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>