للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤٦٥ - كتاب هشام إلى يوسف بن عمر]

وكتب هشام إلى يوسف بن عمر فى أمر زيد بن على:

«أما بعد، فقد علمت بحال أهل الكوفة، فى حبّهم أهل هذا البيت، ووضعهم إياهم فى غير مواضعهم، لأنهم افترضوا على أنفسهم طاعتهم، ووظّفوا (١) عليهم شرائع دينهم، ونحلوهم (٢) علم ما هو كائن، حتى حملوهم من تفريق الجماعة على حال استخفّوهم فيها إلى الخروج.

وقد قدم زيد بن علىّ على أمير المؤمنين فى خصومة عمر بن الوليد، ففصل أمير المؤمنين بينهما، ورأى رجلا جدلا لسنا خليقا بتمويه (٣) الكلام وصوغه، واجترار الرجال بحلاوة لسانه، وبكثرة مخارجه فى حججه، وما يدلى به عند لدد (٤) الخصام من السّطوة على الخصم بالقوة الحادّة لنيل الفلج (٥).

فعجّل إشخاصه إلى الحجاز ولا تخلّه والمقام قبلك، فإنه إن أعاره القوم أسماعهم، فحشاها من لين لفظه، وحلاوة منطقه، مع ما يدلى به من القرابة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وجدهم ميّلا إليه، غير متّئدة قلوبهم، ولا ساكنة أحلامهم، ولا مصونة عندهم أديانهم، وبعض التحامل عليه- فيه أذى له- وإخراجه وتركه- مع السلامة للجميع، والحقن للدماء، والأمن للفرقة- أحبّ إلىّ من أمر فيه سفك


(١) الوظيفة: ما يقدر من عمل ورزق وطعام وغير ذلك، ووظف عليه العمل توظيفا: قدره، والمعنى قصروا عليهم شرائع الدين ومعرفة أحكامه.
(٢) نحله الشىء كمنعه: نسبه إليه.
(٣) قول مموه أى مزخرف، أو ممزوج من الحق والباطل، وأصله من موه الشىء تمويها إذا طلاه بفضة أو ذهب وتحت ذلك نحاس أو حديد.
(٤) اللدد: شدة الخصومة.
(٥) الفلج: الفوز والظفر. وروى أن زيدا لما قدم على هشام، قال له هشام: لقد بلغنى يا زيد أنك تذكر الخلافة وتعتمناها، ولست هناك لأنك ابن أمة، قال زيد: فقد كان إسماعيل بن إبراهيم ابن أمة، وأخوه إسحاق ابن صريحة مثلك، فأخرج الله عز وجل من صلب إسماعيل خير ولد آدم محمدا صلى الله عليه وسلم، وأخرج من صلب إسحاق القردة والخنازير وعبدة الطاغوت، فعندها قال له: قم، فقال: إذن لا ترانى إلا حيث تكره- انظر البيان والتبيين ١: ١٦٩ وتاريخ الطبرى ٨: ٢٦٣، والعقد الفريد ٢: ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>