وتجهز الحسن عليه السلام للقاء معاوية، وخرج بأصحابه إلى المدائن، ولكنهم رأوا منه أنه يجنح إلى موادعة معاوية ومصالحته، فثاروا به وأساءوا إليه (١)، فازداد لهم بغضا، وازداد منهم ذعرا، ورأى الأمر قد تفرق عنه، فبعث إلى معاوية يطلب الصلح، وبعث معاوية إليه رسولين قدما عليه المدائن، فأعطياه ما أراد، وصالحاه على أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف فى أشياء اشترطها.
قال الطبرى: «كاتب الحسن معاوية وأرسل إليه بشروط، قال: إن أعطيتنى هذا فأنا سامع مطيع، وعليك أن تفى لى به، ووقعت صحيفة الحسن فى يد معاوية، وقد أرسل معاوية قبل هذا إلى الحسن بصحيفة بيضاء مختوم على أسفلها، وكتب إليه: أن اشترط فى هذه الصحيفة التى ختمت أسفلها ما شئت فهو لك، فلما أتت الحسن اشترط أضعاف الشروط التى سأل معاوية قبل ذلك وأمسكها عنده، وأمسك معاوية صحيفة الحسن عليه السلام، التى كتب إليه يسأله ما فيها.
(١) وذلك أن الحسن عليه السلام لما أتى ساباط، أقام بها أياما، فلما أراد أن يرحل إلى المدائن، قام فخطب الناس. فقال: «أيها الناس إنكم بايعتمونى على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، وإنى والله ما أصبحت محتملا على أحد من هذه الأمة ضغينة فى شرق ولا غرب، ولما تكرهون فى الجماعة والألفة والأمن وصلاح ذات البين، خير مما تحبون فى الفرقة والخوف والتباغض والعداوة، وإن عليا أبى كان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية، فإنكم لو فارقتموه لرأيتم الرءوس تندر عن كواهلها كالحنطل» ثم نزل فنظر الناس بعضهم إلى بعض، وقالوا: ما قال هذا القول إلا وهو خلع نفسه ومسلم الأمر لمعاوية، كفر والله الرجل؛ ثم نشدوا على فسطاطه فانتهبوا متاعه حتى أخذوا مصلاه من تحته، وانتزعوا مطرفه عن عاتقه، وأخذوا جارية كانت معه فدعا بفرسه فركبه، وأحدق به طوائف من خاصته وشيعته، ومنعوا منه من أراده، ولاموه وضعفوه لما تكلم به، فلما مر فى مظلم ساباط، قام إليه رجل يقال له جراح بن سنان وبيده معول، فأخذ بلجام فرسه وقال: الله أكبر يا حسن! أشرك أبوك ثم أشركت أنت! وطعنه بالمعول فوقعت فى فخذه فشقتها حتى بلغت أربيته (أصل الفخذ) وسقط الحسن إلى الأرض