للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٣٢٥ - كتاب العباس بن الحسن إلى جرير بن يزيد]

وكتب العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن على بن أبى طالب عليه السلام، إلى جرير بن يزيد يعزّيه فى العباس ابنه:

«أما بعد، فإنك لا تخبر عن الله عزّ وجل فيما وعد على المصائب، ولا توعظ فيما حدث من بغتات الدهور، وملمّات الأمور، بأشفى من علمك به وأوعظه، بما لم تزل له معاينا من ملمّات قدره وفضله، وفى الله تبارك وتعالى لمن اعتصم به كاف، وفى ثوابه لمن رغب عن الأحبّة معزّ، وليس من أحداث الدهر حادث يمنى به امرؤ فى حميم، وإن لطف من القلوب موقعه، وجلّ فى المصاب رزؤه، إلّا والمرء مرتهن فى نفسه بأعظم منه، إمّا بفناء يكون به حظّا لحميمه فى المعاد إن قصّر به فى نفسه أمل، وإما بقاء يكون به عرضا لمختلف الأيام والليالى، حتى يموت منه ما لا ينتفع بعده بالبقاء إن عمّر، ثم يكون الموت من ورائه لا محالة، فأين المذهب لمن عرف هذا عن ثواب الله الذى منه الخلف والعوض، فى الدار التى لا تفنى ولا يفنى ما فيها؟

وكفى نظرا من الله لك، وإنعاما عليك، أن جعل ابنك لك ولدا، فشرّفك بشرفه على الأبناء، وزيّنك بخصاله الفائتة للوصف فى الفضائل والكمال، وبلغ به الغاية التى بلغ فى السّنّ والثروة، ثم جعله لك مقدّمة إليه، وذخيرة عنده، وأىّ الأمرين تراه يا أبا العباس أملأ ليدك: أبقاؤه لو بقى حتى تكون له؟ أم فناؤه إذ فنى حتى كان لك؟ وما كنت تأمل له أكثر مما أعطاه الله وأعطاك فيه؟ فخير ما أخذته تقوى الله فى حسن العزاء، واستيجاب العوض والاستعداد فيما هو نازل بك فى نفسك، وإن كان غير ذى أمثال عندنا إن تأخّر فى أجلك، ونسأل الله أن ينسئ فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>