للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ينالك سلطانى! هيهات! ما كلّ ذى لبّ يصيب رأيه، ولا كلّ ذى رأى ينصح فى مشورته، أمس عبد، واليوم أمير! خطّة ما ارتقاها مثلك يا بن سميّة!

وإذا أتاك كتابى هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة، وأسرع الإجابة، فإنك إن تفعل فدمك حقنت، ونفسك تداركت، وإلا اختطفتك بأضعف ريش (١)، ونلتك بأهون سعى، وأقسم قسما مبرورا أن لا أوتى بك إلا فى زمّارة (٢)، تمشى حافيا من أرض فارس إلى الشأم، حتى أقيمك فى السوق، وأبيعك عبدا، وأردّك إلى حيث كنت فيه، وخرجت منه، والسلام». (شرح ابن أبى الحديد م: ٤ ص ٦٨)

[٢٨ - رد زياد على معاوية]

فلما ورد الكتاب على زياد غضب غضبا شديدا، وكتب إلى معاوية:

«أما بعد: فقد وصل إلىّ كتابك يا معاوية، وفهمت ما فيه، فوجدتك كالغريق يغطّيه الموج فيتشبّث بالطّحلب (٣)، ويتعلق بأرجل الضفادع، طمعا فى الحياة، إنما بكفر النّعم، ويستدعى النّقم من حادّ (٤) الله ورسوله وسعى فى الأرض فسادا.

فأمّا سبّك لى فلولا حلم ينهانى عنك، وخوفى أن أدعى سفيها، لأثرت (٥) لك مخازى لا يغسلها الماء، وأمّا تعييرك لى بسميّة، فإن كنت ابن سمية فأنت ابن حمامة (٦) وأمّا زعمك أنك تختطفنى بأضعف ريش، وتتناولنى بأهون سعى، فهل رأيت بازيا


(١) يريد بأضعف قوة، وكانوا يلزقون الريش على السهم ليقووه ويسددوه، ومنه قالوا: راش السهم يريشه إذا ركب عليه الريش، فهو مريش.
(٢) أى فى جماعة زمارة تزمر حولك بالمزامير لتشهيرك والتشنيع عليك.
(٣) الطحلب بضم اللام وفتحها: خضرة تعلو الماء المزمن.
(٤) أى غاضبه وخالفه وعاداه.
(٥) لأبرزت وأظهرت.
(٦) روى ابن أبى الحديد فى شرحه (م ١: ص ١٥٧) أن حمامة جدة معاوية أم أبيه أبى سفيان وأنها كانت بغيا فى الجاهلية صاحبة راية.

<<  <  ج: ص:  >  >>