للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصّحبة فإن عادتها تكسب (١) الغفلة، وقلّة الضحك فإن كثرته تميت القلب، وليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهى التى بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغنى عن الثّقات من أهل العلم أن حضور المعازف (٢) واستماع الأغانى واللهج (٣) بها ينبت النّفاق فى القلب كما ينبت العشب الماء، ولعمرى لتوقّى ذلك بترك حضور تلك المواطن أيسر على ذى الذهن من الثبوت على النّفاق فى قلبه، وهو حين يفارقها (٤) لا يعتقد مما سمعت أذناه على شىء مما ينتفع به، وليفتتح كلّ غلام منهم بجزء من القرآن يتثبّت فى قراءته، فإذا فرغ تناول قوسه ونبله، وخرج إلى الغرض حافيا فرمى سبعة أرشاق (٥)، ثم انصرف إلى القائلة (٦)، فإن ابن مسعود رضى الله عنه كان يقول: «يا بنىّ قيلوا، فإن الشياطين لا تقيل».

(سيرة عمر لابن الجوزى ص ٢٥٧)

[٤١٨ - كتاب عمر بن الوليد بن عبد الملك إلى عمر بن عبد العزيز]

ولما ولى عمر بن عبد العزيز جعل لا يدع شيئا مما كان فى يده ويد أهل بيته من المظالم إلا ردّها مظلمة مظلمة، فبلغ ذلك عمر بن الوليد بن عبد الملك، فكتب إليه:

«إنك أزريت (٧) على من كان قبلك من الخلفاء، وعبت عليهم، وسرت بغير سيرتهم، بغضا لهم وشنآنا (٨) لمن بعدهم من أولادهم، وقطعت ما أمر الله به أن


(١) يقال: كسبه مالا وأكسبه إياه فكسبه هو.
(٢) المعازف: الملاهى كالعود والطنبور جمع معزف كمنبر ومكنسة.
(٣) لهج بالأمر: أغرى به فثابر عليه.
(٤) وفى رواية أخرى «حين لا يفارقها» والمعنى على كلتاهما صحيح.
(٥) الإرشاق جمع رشق بالكسر: وهو الوجه من الرمى.
(٦) القائلة: نصف النهار، وقال قيلا وقائلة وقيلولة ومقيلا ومقالا: نام فيه.
(٧) زرى عليه كرمى زراية: عابه كأزرى، لكنه قليل.
(٨) الشنآن: البغض.

<<  <  ج: ص:  >  >>