للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٩ - رسالة الجاحظ فى بنى أمية]

«بسم الله الرحمن الرحيم، أطال الله بقاءك، وأتمّ نعمته عليك، وكرامته لك، اعلم- أرشدك الله أمرك- أن هذه الأمة قد صارت بعد إسلامها، والخروج من جاهليّتها، إلى طبقات متفاوته، ومنازل مختلفة: فالطبقة الأولى: عصر النبى صلى الله عليه وسلم، وأبى بكر، وعمر رضى الله عنهما، وستّ سنين من خلافة عثمان رضى الله عنه، كانوا على التوحيد الصحيح، والإخلاص المحض، مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب والسّنّة، وليس هناك عمل قبيح، ولا بدعة فاحشة، ولا نزع يد من طاعة، ولا حسد ولا غلّ ولا تأوّل، حتى كان الذى كان: من قتل عثمان رضى الله عنه، وما انتهك منه، ومن خبطهم إياه بالسلاح، وبعج (١) بطنه بالحراب، وفرى أوداجه بالمشاقص (٢)، وشدخ هامته (٣) بالعمد، مع كفّه عن البسط، ونهيه عن الامتناع، مع تعريفه لهم قبل ذلك، من كم وجه يجوز قتل من (٤) شهد الشهادة! ؟

وصلّى القبلة، وأكل الذّبيحة، ومع ضرب نسائه بحضرته، وإقحام الرجال على حرمته، مع اتّقاء نائلة بنت الفرافصة عنه بيدها، حتى أطنّوا (٥) إصبعين من أصابعها، وقد كشفت عن قناعها، ورفعت عن ذيلها، ليكون ذلك رادعا لهم، وكاسرا من غربهم (٦)، مع وطئهم فى أضلاعه بعد موته، وإلقائهم على المزبلة جسده


(١) بعجه كمنعه: شقه.
(٢) فراه كرماه: شقه أيضا، والأوداج جمع ودج بالتحريك. وهو عرق فى العنق. والمشاقص جمع مشقص كمنبر: وهو النصل الطويل، أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش.
(٣) الهامة: الرأس، وشدخه كمنعه: كسره.
(٤) أى المسلم، أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم فى كتابه إلى المنذر بن ساوى» فإن من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم» - انظر الجزء الأول ص ٤٥ وكان فيما قاله عثمان فى أثناء حصاره: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا فى إحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه فيقتل، أو رجل زنى بعد إحصانه فيرجم: أو رجل قتل نفسا بغير نفس» ففيم أقتل؟ - انظر تاريخ الطبرى ٥: ١٢٢.
(٥) أطنوا: أى قطعوا.
(٦) من غربهم: أى حدتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>