للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجرّدا بعد سحبه! ؟ وهى الخرزة (١) التى جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفئا لبناته (٢) وأياماه وعقائله، بعد السبّ والتعطيش والحصر الشديد، والمنع من القوت، مع احتجاجه عليهم وإفحامه لهم، ومع اجتماعهم على أن دم الفاسق حرام كدم المؤمن، إلا من ارتدّ بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان (٣) أو قتل مؤمنا على عمد، أو رجل عدا على الناس بسيفه، فكان فى امتناعهم منه عطبه (٤)، ومع اجتماعهم على ألا يقتل من هذه الأمة مولّ، ولا يجهز منها على جريح، ثم مع ذلك كله ذمروا (٥) عليه وعلى أزواجه وحرمه، وهو جالس فى محرابه، ومصحفه يلوح فى حجره، لن يرى أن موحّدا يقدم على قتل من كان فى مثل صفته وحاله.

لا جرم (٦) لقد احتلبوا به دما لا تطير رغوته، ولا تسكن فورته، ولا يموت ثائره، ولا يكلّ طالبه، وكيف يضّيع الله دم وليّه، والمنتقم له! ؟ وما سمعنا بدم بعد دم يحيى (٧) بن زكريا عليهما السلام غلا غليانه، وقتل سافحه (٨) وأدرك بطائلته، وبلغ كل محبته، كدمه، رحمة الله عليه.

ولقد كان لهم فى أخذه وفى إقامته للناس، والاقتصاص منه، وفى بيع ما ظهر من رباعه (٩) وحدائقه وسائر أمواله، وفى حبسه بما بقى عليه، وفى طمره (١٠) حتى لا يحسّ بذكره، ما يغنيهم عن قتله إن كان قد ركب كلّ ما قذفوه به،


(١) الخرزة: الجوهرة، وفى الأصل «الجزرة» وهو تحريف.
(٢) تزوج عثمان رقية وأم كلثوم ابنتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأيامى جمع أيم، وامرأة أيم: لا زوج لها بكرا كانت أو ثيبا، والعقائل جمع عقيلة، وعقيلة كل شىء أكرمه.
(٣) أحصن الرجل: تزوج.
(٤) أى هلاكه.
(٥) الذمر: الحض والتهدد، وفعله كنصر.
(٦) لا جرم: كلمة كانت فى الأصل بمنزلة لا بد، ولا محالة، فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم، وصارت بمنزله حقا، فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب بها عن القسم.
(٧) مات يحيى مقتولا- انظر تفصيل الخبر فى ذلك فى تاريخ الطبرى ٢: ١٦.
(٨) سفيح دمه كقطعه: سفكه، والطائلة: الثأر.
(٩) الرباع جمع ربع: وهو المنزل.
(١٠) الطمر: الخبء.

<<  <  ج: ص:  >  >>