للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورواية الجاحظ فى البيان والتبيين:

«إنا لقينا العدو. فقتلنا طائفة، وأسرنا طائفة، ولحقت طائفة بعرائر (١) الأودية، وأهضام الغيطان، وبتنا بعرعرة الجبل، وبات العدو بحضيضه».

فقال الحجاج: ما يزيد بأبى عذرة هذا الكلام (٢)، فمن هناك؟ قيل: يحيى بن يعمر، فكتب إلى يزيد أن يشخصه إليه (٣).

(تاريخ الطبرى ٨: ٣٩، والكامل للمبرد ١: ١٣٣، والبيان والتبيين ١: ٢٠١)

[٢٤٧ - كتب بين الحجاج وعبد الملك ويزيد والمفضل ابنى المهلب]

وظهرت مناقب يزيد وعظمت آثاره، فحسده الحجاج وعمل على عزله، ولم يكن بتخوف بعد ابن الأشعث غيره، واتفق أن وفد الحجاج إلى عبد الملك، ثم عاد إلى العراق فمرّ فى منصرفه بدير فنزله، فقيل له: إن فى هذا الدير شيخا من أهل الكتب عالما، فدعا به وسأله: أتعلم ما إلىّ؟ قال: نعم، قال: فمن يليه بعدى؟ قال: رجل يقال له يزيد، فوقع فى نفسه أنه يزيد بن المهلّب، وارتحل وهو وجل من قول الشيخ،


(١) فسره الجاحظ فقال: «عرائر الأودية: أسافلها» ولم أجده فى كتاب اللغة، والذى فى لسان العرب: «وعرا الوادى شاطئاه» مثنى «عر» كقفل، ويلاحظ أنه لا يجمع قياسا على عرائر.
(٢) العذرة: البكارة، وافتضاض الجارية، يقال: فلان أبو عذر فلانة وأبو عذرتها: إذا كان افترعها وافتضها، وما أنت بأبى عذرة هذا الكلام: أى لست بأول من افتضه.
(٣) فحمله يزيد على البريد فقدم عليه أفصح الناس، فقال له: أين ولدت؟ قال: بالأهواز، قال فأنى لك هذه الفصاحة؟ قال: حفظت كلام أبى وكان فصيحا، قال: من هناك؟ فأخبرنى: هل يلحن عنيسة بن سعيد؟ قال: نعم كثيرا، قال: ففلان، قال: نعم، قال: أتسمعنى ألحن؟ قال: الأمير أفصح من ذلك، فأعاد عليه القول وأقسم عليه، فقال يحيى: نعم تلحن لحنا خفيا تزيد حرفا وتنقص حرفا، وتجعل أن فى موضع إن، وإن فى موضع أن، قال: قد أجلتك ثلاثا، فإن أجدك بعد ثلاث بأرض العراق قتلتك، فرجع إلى خراسان.
ومما يتصل بذلك ما أورده ابن خلكان فى ترجمة الشعبى فى وفيات الأعيان ١: ٢٤٤ قال «ويقال إن الحجاج قال له يوما: كم عطاءك فى السنة؟ قال: ألفين، قال: ويحك! كم عطاؤك؟ فقال: ألفان قال: كيف لحنت أولا؟ قال: لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت، وما أمكن أن يلحن الأمير وأعرب أنا، فاستحسن ذلك منه وأجازه».

<<  <  ج: ص:  >  >>