للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للفظه، عقل (١) العقل عن سوى أمره، محتضر (٢) الذّهن فى تدبيرهم، ذهل (٣) القلب عن تفنين القول وتشعيب الكلام فى تصنيف طبقات الرجال، ومن أين دخل عليهم نقص الإخاء، وكيف خانهم مونق (٤) الصّفاء، وقد صرّحت لك عن رأى ذوى الصّفاء، وكشفت لك خباء الإخاء، وجمعت لك إلف (٥) مودّة أهل الحجا، فتلقّ ما وصفت لك بقلب فهم عقول ذى ميزة يقظان، وذهن جامع ذى ثقافة راع (٦)، أحضرك الله عصمة التوفيق، وسدّدك الله لإصابة الرشد، ومكّن لك صدق العزيمة، والسلام». (اختيار المنظوم والمنثور ١٣: ٣٩٨)

[٤٨٣ - كتاب الوليد بن يزيد بن عبد الملك إلى هشام]

وكان يزيد بن عبد الملك بن مروان عقد الخلافة لابنه الوليد بعد أخيه هشام ابن عبد الملك (٧)، وولى هشام وهو للوليد مكرّم معظّم مقرّب، فلم يزل ذلك من أمرهما، حتى ظهر من الوليد بن يزيد مجون، وشرب الشراب، وحمله على ذلك عبد الصّمد بن عبد الأعلى الشّيبانى- وكان مؤدّب الوليد، وكان فيما يقال زنديقا- وبدا للناس منه تهاون بالدين وستخفاف به، وبلغ ذلك هشاما فطمع فى خلعه والبيعة لابنه مسلمة بن هشام، وأراده على ذلك فأبى، فقال له: اجعلها له من بعدك فأبى، فتنكّر له هشام وأضرّ به وعمل سرّا فى البيعة لابنه فأجابه قوم.


(١) عقله كضربه: حبسه، وعقل الشىء بمعنى تدبره وفهمه، من ذاك، لأنه يقيده ويحبسه، وهو من باب ضرب أيضا، قال صاحب المصباح: «وعقلت الشىء من باب ضرب: تدبرته، وعقل يعقل من باب تعب لغة» فقوله «عقل» صفة من عقل كتعب أى معقول العقل أى محبوسه، وربما كان الأصل «عقيل» بمعنى معقول كجريح وأسير.
(٢) حضر واحتضر: ضد غاب، أى حاضر الذهن.
(٣) ذهل عنه، نسيه وغفل عنه، وبابه قطع، وكفرح لغة.
(٤) أتقه الشىء: أعجبه.
(٥) ألفه كعلمه إلفا بالكسر والفتح.
(٦) أى حافظ.
(٧) وذلك أن الوليد يوم عقد له أبوه يزيد الخلافة كان ابن إحدى عشرة سنة فلم يمت يزيد حتى بلغ الوليد خمس عشرة سنة، فندم يزيد على استخلافه هشاما أخاه بعد، وكان إذا نظر إلى ابنه الوليد قال:
الله بينى وبين من جعل هشاما بينى وبينك.

<<  <  ج: ص:  >  >>