للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فلا تغترّوا، ولا تطمئنوا إلى الدنيا، فإنها غرّارة مكّارة، لذّتها نافدة (١)، ونعمتها بائدة، حفّت بالشهوات اغترارا، وأظهرت حبرة (٢)، وأضمرت عبرة، فليس آكل منها أكلة (٣) تسرّه، ولا شارب شربة تؤنقه (٤)، إلّا دنا بها درجة إلى أجله، وتباعد بها مسافة من أمله، وإنما جعلها الله دارا لمن تزوّد منها إلى النعيم المقيم، والعيش السليم، فلن يرضى بها حازم دارا، ولا حليم (٥) بها قرارا، فاتقوا الله «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى» والسلام على من اتبع الهدى».

(الكامل للمبرد ٢: ١٧٩، وشرح ابن أبى الحديد م ١، ص ٣٨٢)

[١٠٦ - كتاب نافع إلى عبد الله بن الزبير]

وكتب نافع إلى عبد الله بن الزبير يدعوه إلى أمره:

«أما بعد: فإنى أحذّرك من الله «يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» فاتّق الله ربّك ولا تتولّ الظالمين، فإن الله يقول: «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» وقال «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ» وقد حضرت عثمان يوم قتل، فلعمرى لئن كان قتل مظلوما لقد كفر قاتلوه وخاذلوه ولئن كان قاتلوه مهتدين- وإنهم لمهتدون- لقد كفر من يتولاه وينصره ويعضده، ولقد علمت أن أباك وطلحة وعليّا كانوا أشد الناس عليه، وكانوا فى أمره من بين قاتل وخاذل، وأنت تتولّى أباك وطلحة


(١) ذاهبة فانية
(٢) الحبرة: السرور كالحبور، وفى الأصل «حيرة» وهو تصحيف.
(٣) الأكلة بالفتح: المرة، وبالضم: اللقمة والطعمة. والشربة بالفتح: المرة، وبالضم: مقدار الرى من الماء كالحسوة.
(٤) آنقه الشىء إيناقا: أعجبه، وفى رواية «توافقه».
(٥) حليم: عاقل، من الحلم بالكسر وهو العقل، وفى رواية «حكيم».

<<  <  ج: ص:  >  >>