للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثواب الذى جعل الله لنا على الصبر كان على الجزع، لكان ذلك أثقل علينا، لأن جزع الإنسان قليل، وصبره طويل، والصبر فى أوانه أيسر مئونة من الجزع بعد السّلوة، ومع هذا فإن سبيلنا من أنفسنا على ما ملكنا الله منها ألا نقول ولا نفعل ما كان لله مسخطا، فأمّا ما يملكه الله من حسن عزاء النفس، فلا نملكه من أنفسنا».

(الأوراق للصولى ٢: ٣٦)

[١٩ - كتاب يعقوب الكندى إلى بعض إخوانه]

وأهدى يعقوب (١) الكندى إلى بعض إخوانه سيفا وكتب معه:

«الحمد لله الذى خصّك بمنافع ما أهدى إليك: فجعلك تهتزّ للمكارم، اهتزاز الصّارم، وتمضى فى الأمور، مضاء المأثور (٢)، وتصون عرضك بالإرفاد (٣)، كما تصان السيوف فى الأغماد، ويظهر دم الحياء فى صفحة خدّك المشوف (٤)، كما يشفّ الرّونق فى صفحات السيوف، وتصقل شرفك بالعطيّات، كما تصقل متون المشرفيّات (٥)». (غرر الخصائص الواضحة ص ٤٤٧)


(١) هو أبو يوسف يعقوب بن إسحق بن الصباح بن عمران بن إسماعيل بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندى، كان أبوه إسحق أميرا على الكوفة للمهدى والرشيد، وكان يعقوب عظيم المنزلة، عند المأمون والمعتصم، فاضل دهره وواحد عصره فى معرفة العلوم القديمة بأسرها، ويسمى فيلسوف العرب، وله مؤلفات كثيرة فى علوم مختلفة من المنطق والفلسفة والهندسة والحساب (الأرثماطيقى) والموسيقى والنجوم وغيرها، وقد عد له ابن النديم ٢٣١ كتابا فى ١٧ علما.
وله حديث مع أبى تمام، حين أنشد المعتصم سينيته المشهورة فى مدحه (وفيات الأعيان ١: ١٢٢) انظر ترجمته فى الفهرست لابن النديم ص ٣٥٧، وتاريخ الحكماء لابن القفطى ص ٣٦٦ (طبع أوربة) وطبقات الأطباء لابن أبى أصيبعة ١: ٢٠٦.
هذا إن صح أنه كاتب هذه الرسالة وأشك فى أنه هو، لأن الصبغة البديعة البينة الأثر فى أسلوبها لم تفش إلا بعد ذلك العصر.
(٢) سيف مأثور: فى متنه أثر بالفتح والكسر: وهو فرند السيف ورونقه وديباجته.
(٣) الإرفاد: الإعطاء والإعانة.
(٤) المشوف: المحلو، من شافه شوفا، أى جلاه، ودينار مشوف: مجلو. وفى الأصل «مشروف» وهو تحريف.
(٥) المشرفى: السيف، نسبة إلى مشارف الشام، وهى قرى من أرض العرب تدنو من الريف، وقيل: نسبة إلى موضع باليمن.

<<  <  ج: ص:  >  >>