للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥٤١ - كتاب علىّ إلى ابن عباس

ثم كتب علىّ إلى ابن عباس:

«أما بعد: فإنى كنت أشركتك فى أمانتى، وجعلتك شعارى (١) وبطانتى ولم يكن من أهل بيتى رجل أوثق منك فى نفسى، لمواساتى وموازرتى، وأداء الأمانة إلىّ، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب (٢)، والعدوّ قد حرب، وأمانة الناس قد خزيت (٣)، وهذه الأمة قد فنكت (٤) وشغرت، قلبت لابن عمك ظهر المجنّ (٥)، ففارقته مع المفارقين، وخذلته أسوأ خذلان، وخنته مع من خان (٦)، فلا ابن عمّك آسيت (٧)، ولا الأمانة إليه أدّيت، وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك، وكأنك لم تكن على بيّنة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم، وتنوى غرّتهم (٨) عن فيئهم، فلمّا أمكنتك الشّدّة (٩) فى خيانة الأمة، أسرعت الكرّة، وعاجلت الوثبة، فاختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة


(١) الشعار: الثوب يلى شعر الجسد.
(٢) كلب الزمان: اشتد، وحرب العدو.
استأسد واشتد غضبه، وفى العقد الفريد «قد حرد» وحرد كسمع وضرب: غضب.
(٣) أى زلت وهانت.
(٤) فنك فى الأمر كنصر: لج فيه، وفنك: كذب، وفنك فى الكذب: مضى ولج فيه، وفنكت الجارية: مجنت، وكل هذه المعانى صالحة هنا، وفى العقد الفريد «قد فتنت» وشغرت (كمنع) أى خلت من الخير، من شغرت الأرض: إذا لم يبق بها أحد يحميها ويضبطها فهى شاغرة.
(٥) المجن: الترس، وهذا مثل يضرب لمن كان لصاحبه على مودة ورعاية ثم حال عن العهد، قال ابن أبى الحديد: «وأصل ذلك أن الجيش إذا لقوا العدو كانت ظهور مجانهم إلى وجه العدو، وبطونها إلى وجه عسكرهم، فإذا فارقوا رئيسهم وصاروا مع العدو كان وضع مجانهم بدلا من الوضع الذى كان من قبل، وذلك أن ظهور الترسة لا يمكن أن تكون إلا فى وجوه الأعداء لأنها مرمى سهامهم اه».
(٦) وفى نهج البلاغة «وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين».
(٧) آساه: شاركه وأصابه بخير، وفى الحديث: «ما أحد عندى أعظم يدا من أبى بكر، آسانى بنفسه، وماله».
(٨) الغرة: الغفلة.
(٩) الحملة، وفى العقد «فلما أمكنتك الفرصة فى خيانة الأمة أسرعت الغدرة».

<<  <  ج: ص:  >  >>