للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاسقون، وعدا لا خلف له، ومقالا لا ريب فيه، وفرض على المؤمنين الجهاد، فقال عزّ من قائل: «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» فاستتمّوا موعد الله إياكم، وأطيعوه فيما فرض عليكم، وإن عظمت فيه المئونة، واشتدت فيه الرزيّة، وبعدت فيه الشّقة (١)، وفجعتم فى ذلك بالأموال والأنفس، فإن ذلك يسير فى عظيم ثواب الله، ولقد ذكر لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الله يبعث الشّهداء يوم القيامة شاهرين سيوفهم لا يتمنّون على الله شيئا إلا آتاهموه، حتى أعطوا أمانيّهم، وما لم يخطر على قلوبهم، فما شئ يتمناه الشهيد بعد دخوله الجنة! إلا أن يردّهم الله إلى الدنيا، فيقرضون (٢) بالمقاريض فى الله لعظيم ثواب الله، انفروا- رحمكم الله فى سبيل الله- خفافا وثقالا، وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فقد أمرت خالد بن الوليد بالمسير إلى العراق لا يبرحه حتى يأتيه أمرى، فسيروا معه، ولا تثّاقلوا عنه، فإنه سبيل يعظم الله فيه الأجر لمن حسنت فيه نيّته، وعظمت فى الخير رغبته، فإذا قدمتم العراق فكونوا بها حتى يأتيكم أمرى، كفانا الله وإياكم مهمّ أمور الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله»

(فتوح الشام للأزدى ص ٤٦)

[٧٥ - كتاب أبى بكر إلى المثنى بن حارثة]

وكتب أبو بكر رضى الله عنه مع مسعود بن حارثة إلى المثنّى بن حارثة:

«أما بعد، فإنى قد بعثت إليك خالد بن الوليد إلى أرض العراق، فاستقبله بمن


(١) الشقة بالضم والكسر: الناحية يقصدها المسافر والسفر البعيد، والمشقة.
(٢) أى فيجزون بما فعلوا فى سبيل الله، قرضه كضربه: جازاه كقارضه، والمقاريض جمع مقروض بمعنى قرض وهو البلاء الحسن. قال تعالى «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً» * وأصل القرض: ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازى عليه، والله عز وجل لا يستقرض من عوز ولكنه يبلو عباده، فمعنى يقرض: يفعل فعلا حسنا فى اتباع أمر الله وطاعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>