فأحضر إسحق بن إبراهيم جماعة من الفقهاء والحكام والمحدّثين، وقرأ عليهم كتاب المأمون مرتين، ثم امتحنهم رجلا رجلا، فتوقفوا عن الإقرار بخلق القرآن، وكلّهم يقول:«القرآن كلام الله»، إلا نفرا منهم، وكتب مقالاتهم ووجّه بها إلى المأمون، فمكث القوم تسعة أيام، ثم دعا بهم وقد ورد كتاب المأمون فى أمرهم، ونسخته:
«بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فقد بلغ أمير المؤمنين كتابك- جواب كتابه كان إليك- فيما ذهب إليه متصنّعة أهل القبلة وملتمسو الرّياسة فيما ليسوا له بأهل من أهل الملّة، من القول فى القرآن، وأمرك به أمير المؤمنين من امتحانهم، وتكشيف أحوالهم، وإحلالهم محالّهم، تذكر إحضارك جعفر بن عيسى وعبد الرحمن بن إسحق عند ورود كتاب أمير المؤمنين، مع من أحضرت ممن كان ينسب إلى الفقه، ويعرف بالجلوس للحديث، وينصب نفسه للفتيا بمدينة السلام، وقراءتك عليهم جميعا كتاب أمير المؤمنين، ومسألتك إياهم عن اعتقادهم فى القرآن، والدّلالة لهم على حظّهم وإطباقهم على نفى التشبيه، واختلافهم فى القرآن، وأمرك من لم يقل منهم إنه مخلوق بالإمساك عن الحديث والفتوى فى السّر والعلانية، وتقدّمك إلى السّندىّ وعباس مولى أمير المؤمنين بما تقدّمت به فيهم إلى القاضيين (١) بمثل ما مثّل لك أمير المؤمنين من امتحان من يحضر مجالسهما من الشهود، وبثّ الكتب إلى القضاة فى النواحى من عملك بالقدوم عليك، لتحملهم وتمتحنهم على ما حدّه أمير المؤمنين، وتثبيتك فى آخر الكتاب أسماء من حضر ومقالاتهم، وفهم أمير المؤمنين ما اقتصصت.