للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووقّع الرشيد عليه: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ».

واعتل يحيى فى الحبس، فلما أشفى (١) دعا برقعة، فكتب فى عنوانها: ينفّذ أمير المؤمنين أبقاه الله عهد مولاه يحيى بن خالد، وفيها مكتوب:

«بسم الله الرحمن الرحيم: قد تقدّم الخصم إلى موقف الفصل، وأنت على الأثر، والله حكم عدل. وستقدم فتعلم» فلما ثقل (٢) قال للسّجان: هذا عهدى توصله إلى أمير المؤمنين، فإنه ولىّ نعمتى، وأحقّ من نفّذ وصيتى، فلما مات يحيى أوصل السجان عهده إلى الرشيد.

قال سهل بن هرون: وأنا عند الرشيد إذ وصلت الرقعة إليه فلما قرأها جعل يكتب فى أسفلها، ولا أدرى لمن الرقعة، فقلت له: يا أمير المؤمنين، ألا أكفيك؟

قال: كلا، إنى أخاف عادة الراحة أن يتقوى سلطان العجز، فيحكم بالغفلة، ويقضى بالبلادة، ووقّع فيها: «الحكم الذى رضيت به فى الآخرة لك، هو أعدى الخصوم عليك، وهو من لا ينقض حكمه، ولا يردّ قضاؤه» قال: ثم رمى الصكّ إلىّ، فلما رأيته علمت أنه ليحيى، وأن الرشيد أراد أن يؤثر الجواب عنه.

(العقد الفريد ٣: ٢٥ وغرر الخصائص الواضحة ص ٤٠٦ والإمامة والسياسة ٢: ١٣٨)

[١٦٢ - عهد الأمين على نفسه للرشيد]

وحجّ الرشيد ومعه ابناه محمد الأمين (٣) وعبد الله المأمون (٤) وقوّاده ووزراؤه وقضاته سنة ١٨٦ هـ، فلما قضى مناسكه استكتب ولديه الأمين والمأمون بخط يدهما


(١) أشفى على الموت: أى أشرف.
(٢) ثقل كفرح فهو ثقيل وثاقل: اشتد مرضه.
(٣) وأمه زبيدة أم جعفر بنت جعفر بن المنصور.
(٤) وأمه أم ولد يقال لها مراجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>