للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢١٤ - كتاب عمر بن الخطاب إلى أبى موسى الأشعرى فى القضاء]

وكتب عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى أبى موسى الأشعرى:

«بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين إلى عبد الله ابن قيس: سلام عليك، أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلى (١) إليك، وانفذ إذا تبيّن لك، فإنه لا ينفع تكلّم بحق لا نفاذ له، آس (٢) بين الناس فى وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف فى حيفك (٣)، ولا ييأس ضعيف من عدلك (٤)، البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحلّ حراما، أو حرّم حلالا، ولا يمنعنّك قضاء قضيته اليوم (٥) فراجعت فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك، أن ترجع إلى الحق (٦)، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل.

الفهم الفهم فيما تلجلج (٧) فى صدرك مما ليس فى كتاب الله ولا سنة النبى صلى الله عليه وسلم، ثم اعرف الأشباه والأمثال، فقس الأمور عند ذلك بنظائرها، واعمد إلى أقربها إلى الله، وأشبهها بالحق، واجعل لمن ادّعى حقّا غائبا أو بيّنة أمدا ينتهى إليه، فإن أحضر بيّنته أخذت له بحقّه، وإلّا استحللت عليه القضية، فإن ذلك أنفى للشك، وأجلى للعمى، وأبلغ فى العذر.


(١) أدلى بحجته: احتج بها.
(٢) آس: سو بينهم، وتقديره: اجعل بعضهم أسوة بعض.
(٣) أى فى ميلك معه لشرفه.
(٤) وفى البيان والتبيين والعقد الفريد: «ولا يخاف ضعيف من جورك» وفى صبح الأعشى: «ولا ييأس ضعيف من عونك».
(٥) فى البيان والتبيين، والعقد الفريد وصبح الأعشى وإعجاز القرآن: «بالأمس».
(٦) فى البيان والتبيين والعقد الفريد «أن ترجع عنه».
(٧) تلجلج: تردد، وأصل ذلك المضغة والأكلة يرددها الرجل فى فمه، فلا تزال تتردد إلى أن يسيغها أو يقذفها، والكلمة يرددها الرجل إلى أن يصلها بأخرى، ويقال للصبى لجلاج، ومن أمثال العرب:
«الحق أبلج والباطل لجلج» أى يتردد فيه صاحبه فلا يصيب مخرجا.

<<  <  ج: ص:  >  >>