للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٠٥ - كتاب نافع إلى خوارج البصرة]

وكتب نافع إلى من بالبصرة من المحكّمة (١):

«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد: «فإنّ الله اصطفى لكم الدّين فلا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون، والله إنكم لتعلمون أنّ الشريعة واحدة، والدين واحد، ففيم المقام بين أظهر الكفار، ترون الظّلم ليلا ونهارا؟ وقد ندبكم الله إلى الجهاد، فقال:

«وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً» ولم يجعل لكم فى التخلّف عذرا فى حال من الأحوال فقال: «انْفِرُوا (٢) خِفافاً وَثِقالًا» وإنما عذر الضّعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون (٣)، ومن كانت إقامته لعلّة، ثم فضّل عليهم مع ذلك المجاهدين فقال:


(١) يسمى الخوارج «المحكمة» لأنهم أنكروا أمر الحكمين، وقالوا: لا حكم إلا الله، ولا حكم إلا لله وكأن هذه التسمية على السلب، لأنهم ينفون الحكم وينكرون التحكيم، ونظير ذلك تسميه جماعة القدرية (بالتحريك) بهذا الاسم، مع أن الأساس الذى قام عليه مذهبهم هو «لا قدر» فيهم ينكرون قدر الله، ويغالون فى إثبات القدرة للإنسان، وأنه حر الإرادة فى أعماله. وكان الأولى أن تسمى جماعة المجبرة بالقدرية لإسنادهم جميع أفعال العبد إلى القدر.
وذكروا أن أول من حكم ولفظ بالحكومة رجل يقال له الحجاج بن عبد الله ويعرف بالبرك- وهو أحد الخوارج الثلاثة الذين انفقوا على قتل على ومعاوية وعمرو بن العاص- فإنه لما سمع بذكر الحكمين قال: أيحكم فى دين الله؟ لا حكم إلا لله، فسمعه سامع فقال: طعن والله فأنفذ، وقيل إن أول من حكم عروة بن أدية، وأول سيف سل من سيوف الخوارج سيفه وذلك أنه لما كتبت صحيفة التحكيم بين على ومعاوية خرج الأشعث بن قيس الكندى بها يقرؤها على الناس، حتى مر على طائفة من بنى تميم فيهم عروة، فقرأها عليهم، فقال عروة تحكمون فى أمر الله عز وجل الرجال؟ لا حكم إلا لله، ما هذه الدنية يا أشعث وما هذا التحكيم؟ ثم شهر عليه السيف والأشعث مول فضرب به عجز البغلة فشبت البغلة، فنفرت اليمانية وكانوا جل أصحاب على، فلما رأى ذلك الأحنف بن قيس قصد هو وأصحابه إلى الأشعث فسألوه الصفح فقبل وصفح.
(٢) انفروا: اخرجوا، وتمام الآية الكريمة: «وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ».
(٣) يشير إلى قوله تعالى «لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ».

<<  <  ج: ص:  >  >>