(٢) فقال المهلب للجراح: يا أبا عقبة والله ما تركت حيلة إلا احتلتها، ولا مكيدة إلا أعملتها، وما العجب من إبطاء النصر وتراخى الظفر، ولكن العجب أن يكون الرأى لمن يملكه دون من يبصره، ثم ناهض الخوارج ثلاثة أيام يغاديهم القتال، ولا يزالون كذلك إلى العصر، وينصرف أصحابه وبهم قرح، وبالخوارج قرح وقتل، فقال له: قد أعذرت. (٣) فلما قدم الجراح على الحجاج، قال له: كيف رأيت أخاك؟ قال: والله ما رأيت أيها الأمير مثله قط، ولا ظننت أن أحدا يبقى على مثل ما هو عليه، ولقد شهدت أصحابه أياما ثلاثة يغدون إلى الحرب ثم ينصرفون عنها، وهم بها يتطاعنون بالرماح، ويتجالدون بالسيوف، ويتخابطون بالعمر، ثم يروحون كأن لم يصنعوا شيئا، رواح قوم تلك عادتهم وتجارتهم، فقال الحجاج: لشد ما مدحته أبا عقبة! قال: الحق أولى.