للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢٨٧ - رد الحجاج على سليمان]

فكتب إليه الحجاج:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من الحجاج بن يوسف إلى سليمان بن عبد الملك، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإنك كتبت إلىّ تذكر أنى امرؤ مهتوك عنى حجاب الحق، مولع بما علىّ لالى، منصرف عن منافعى، تارك لحظى، مستخفّ بحق الله وحقّ ولىّ الحق، وتذكر أنك ذو مصاولة (١)، ولعمرى إنك لصبى حديث السّن، تعذر بقلة عقلك، وحداثة سنك، ويرقب فيك غيرك.

فأمّا كتابك إلىّ، فلعمرى لقد ضعف فيه عقلك، واستخفّ به حلمك، فلله أبوك! أفلا انتصرت بقضاء الله دون قضائك، ورجاء الله دون رجائك، وأمتّ غيظك، وأمنت عدوّك، وسترت عنه تدبيرك، ولم تنبّهه فيلتمس من مكايدتك ما تلتمس من مكايدته! ولكنك لم تشفّ (٢) بالأمور علما، ولم ترزق من أمرك حزما جمعت أمورا دلّاك فيها الشيطان على أسوإ أمرك، فكان الجفاء من خليقتك، والحمق من طبيعتك، وأقبل بك الشيطان وأدبر، وحدّثك أنك لن تكون كاملا حتى تتعاطى ما يعيبك، فتحذلقت (٣) حنجرتك لقوله، واتسع جوانبها لكذبه.

وأما قولك: لو ملّكك الله لعلّقت زينب ابنة يوسف بثدييها، فأرجو أن بكرمها الله بهوانك، وأن لا يوفّق ذلك لك إن كان ذلك من رأيك، مع أنى أعرف أنك كتبت إلىّ والشيطان بين كتفيك، فشرّ ممل عليك على شر كاتب راض بالخسف (٤)، فأحر بالحمق أن لا يدلّك على هدى، ولا يردك إلّا إلى ردى، وتحلّب (٥)


(١) صاوله مصاولة وصيالا: واثبه.
(٢) شف: زاد (ونقص أيضا).
(٣) تحذلق: أظهر الحذق وادعى أكثر مما عنده، والمراد تابعت الشيطان وأطعته.
(٤) الخسف: الذل والضيم، يريد أنه أذل نفسه لأنه خضع لسلطان الشيطان.
(٥) أى سال.

<<  <  ج: ص:  >  >>