للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله أبى جعفر أمير المؤمنين من عبيد الله بن عمر:

سلام الله عليك ورحمة الله التى اتسعت فوسعت من شاء، أما بعد: فإنى عهدتك وأمر نفسك لك مهمّ، وقد أصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة أحمرها (١)، وأسودها وأبيضها، وشريفها ووضيعها، يجلس بين يديك العدوّ والصديق، والشريف والوضيع، ولكلّ حصّته من العدل، ونصيبه من الحق، فانظر كيف أنت عند الله يا أبا جعفر، وإنى أحذّرك يوما تعنو (٢) فيه الوجوه والقلوب، وتنقطع فيه الحجّة، لملك قد قهرهم بجبروته، وأذّلهم بسلطانه، والخلق داخرون (٣) له، يرجون رحمته، ويخافون عذابه وعقابه، وإنا كنا نتحدث أن أمر هذه الأمة سيرجع فى آخر زمانها أن يكون إخوان العّلانية أعداء السّريرة، وإنى أعوذ بالله أن تنزل كتابى سوء المنزل، إنما كتبت به نصيحة والسلام (٤)». (الإمامة والسياسة ٢: ١١٧)

[٧١ - رد أبى جعفر على العمرى]

فأجابه أبو جعفر المنصور:

«من عبد الله بن محمد أمير المؤمنين إلى عبيد الله بن عمر بن حفص، سلام عليك.

أما بعد، فإنك كتبت إلىّ تذكر أنك عهدتنى وأمر نفسى لى مهمّ، فأصبحت وقد وليت أمر هذه الأمة بأسرها وكتبت تذكر أنه بلغك أن أمر هذه الأمة سيرجع فى آخر زمانها أن يكون إخوان العلانية أعداء السريرة، ولست إن شاء الله من أولئك، وليس هذا زمان ذلك، إنما ذلك زمان تظهر فيه الرغبة، والرغبة تكون رغبة بعض الناس إلى بعض؛ صلاح دنياهم أحب إليهم من صلاح دينهم، وكتبت تحذرنى ما حذّرت به الأمم من قبلى، وقدما كان يقال: اختلاف الليل والنهار يقرّبان كلّ بعيد ويبليان


(١) انظر هامش ص ١٤٨ من الجزء الأول.
(٢) عنا كسما: ذل وخضع.
(٣) دخر كمنع وفرح: ذل أيضا.
(٤) قدمنا فى الجزء الأول ص ١٤٧ أن هذا الكتاب كتبه أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل إلى عمر بن الخطاب حين ولى الخلافة، وأن الكتاب الذى يليه كتبه عمر إليهما ردا عليهما، كما جاء فى رواية صاحب فتوح الشام وإعجاز القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>